للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرح حديث: (لن ينجي أحداً منكم عمله)

قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن بكير -وهو بكير بن عبد الله الأشج - عن بسر بن سعيد المدني العابد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن ينجي أحداً منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله؟! قال: ولا إياي! إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا)].

يعني: إذا لم تبلغوا الكمال في العبادة فلا أقل من أن تقتربوا منه؛ ولذلك جاء في رواية: [(فسددوا وقاربوا)].

والسداد هو سداد التوفيق، أو قمة التوفيق في العبادة، يعني: احرصوا على أن تبلغوا أعلى درجات الكمال في العبادة والعلم والعمل، فإن لم تبلغوا هذه المرتبة؛ فلا أقل من أن تجتهدوا في الوصول إليها.

قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا! إلا أن يتغمدني ربي برحمته)].

معنى (يتغمدني) أي: يعمني ويشملني برحمة منه وفضل ومغفرة كما في روايات مختلفة، وفي رواية: [(إلا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة)].

[وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة)].

أي: يعمني، وأشار إلى رأسه للدلالة على أن المغفرة والرحمة تعم جميع البدن.

وفي رواية: [(ليس أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا! إلا أن يتداركني الله منه برحمة)].

ومعظم الروايات هي كهذه الرواية، وفي رواية بالزيادة [(ولكن سددوا وقاربوا، وأبشروا)(سددوا) أي: ابلغوا السداد، فإن لم تستطيعوا فلا أقل من أن تقتربوا منه، وإذا بلغتم مرحلة السداد أو الاقتراب من السداد؛ فأبشروا برحمة من الله وفضل.

قال: [وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة، ولا يجيره من النار، قال: ولا أنا إلا برحمة من الله).

وفي حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا! إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) -أي: الذي يديم عليه صاحبه- وفي رواية: (أحب العمل إلى الله ما ديم عليه)] أي: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً.

وماذا ينفعك عملك طول الليل وأنت قائم تصلي، أو تقرأ القرآن، وقبيل الفجر غلبك النوم فنمت؟ وأي الأعمال أحب إلى الله: أن تنام ثم تقوم فتدرك الفجر وهو الفرض، أو أن تصلي النافلة على هذه الشاكلة، وعلى هذا النحو حتى يفوتك الفرض؟ فأحب الأعمال إلى الله العبادة، والاقتصاد في العبادة لا يقال إلا للمجتهد الذي أنهك نفسه.

فالذي يصلي ركعتين فقط يومياً في قيام ليل، والوتر بعد ذلك، ويداوم على ذلك؛ فهذا أحب إلى الله عز وجل من إنسان يصلي إحدى عشرة ركعة في ليلة، ويترك الصلاة لمدة أسبوع أو شهر، فالأول مداوم وإن كان عمله قليلاً، فهو أحب إلى الله تعالى.