[شرح حديث: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل وأبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير، بالخاء المعجمة الموحدة- عن عاصم -وهو ابن سليمان الأحول - عن أبي عثمان] وهو عبد الرحمن بن مل النهدي، سكن الكوفة ثم البصرة، وهو مخضرم، ومعنى مخضرم: أنه أسلم في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ولم يره، لكن عبد الرحمن بن مل أعظم من ذلك بدرجة، وهو أنه رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أثناء رحلته إلى المدينة توفي النبي عليه الصلاة والسلام، وما سمع بوفاته إلا بعد أن دخل المدينة، وهذه حسرة عظيمة جداً.
قال: [عن أبي موسى الأشعري -وهو عبد الله بن قيس - قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير)].
أي: يرفعون أصواتهم بالتكبير، وأنتم تعلمون أن السنة للراكب أو السنة للمسافر إذا صعد شرفاً -مكاناً عالياً- أن يقول: الله أكبر، وإذا نزل أن يقول: (سبحان ربي الأعلى).
وهذه سنة ثابتة.
وأدلتها في الصحيحين وغيرهما.
فلو صعدت ثنية أو شرفاً أو مكاناً مرتفعاً أو كبري أو غير ذلك ففي أثناء صعودك سواء كنت راكباً أو ماشياً فقل: الله أكبر، وإذا نزلت فقل: سبحان ربي الأعلى، ولو كنت غير مسافر.
قال: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس! أربعوا على أنفسكم -أي: رفقوا بأنفسكم ولا تكلفوها فوق طاقتها- إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)].
أي: مهما أسررتم وأخفيتم الذكر والتكبير فإن الله تعالى يسمعه ويعلمه.
قال: [(إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم)].
وفي ذلك إثبات السمع لله عز وجل، كما أن من أسماء الله عز وجل: القريب، فهو أقرب إلى أحدنا من خطام ناقته، ومن حبل الوريد الذي هو داخل في تكوين الإنسان، فالله تعالى أقرب إلى العبد من كل شيء، والله تعالى أقرب من كل قريب من عباده سبحانه وتعالى.
قال أبو موسى الأشعري: [(وأنا خلف النبي عليه الصلاة والسلام أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله)].
أي: لما كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولين بالتكبير عند ارتفاعهم أو صعودهم شرفاً أو ثنية أو غير ذلك كان أبو موسى خلف النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: [(يا عبد الله بن قيس! -وهو أبو موسى الأشعري - ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله! قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)].
مع أنه كان يقولها، لكن هذا تأكيد لأهمية هذا القول.
أعني: الحوقلة كما يسميها الفقهاء، فيريد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين لـ أبي موسى قيمة ما يقول، وفضل ما يقول، وأن هذه الكلمة كنز من كنوز الجنة، وأنتم تعلمون أن الكنز هو ما يخزنه صاحبه لعظيم قيمته، وهذا إذا كان متاعاً من أمتعة الدنيا، فما بالكم بكنوز الآخرة، بل بكنوز الجنة على جهة الخصوص؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله إنما هي كنز من كنوز الجنة، بل ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من هذا القول في ليله ونهاره، وكان دائماً ما يُسمع النبي عليه الصلاة والسلام مستغفراً أو تائباً أو محوقلاً.