للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض أفعال الله أطلقها على نفسه على سبيل الجزاء والمقابلة]

القاعدة العاشرة: ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء العدل والمقابلة، بأنه لو فعل الإنسان كذا لفعل الله به كذا وكذا، فالله عز وجل لما أطلق على نفسه هذه الأفعال إنما أطلقها في مقابلة الجزاء العدل، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال، لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى منها أسماء، ولا أن تطلق عليه تعالى في غير ما سيقت له.

فلابد من شرطين لإطلاقها عليه تعالى: الشرط الأول: لا يجوز إطلاق هذه الأفعال على الله عز وجل إلا فيما سيقت له، وفي مناسبتها، فإذا أطلقت في غير ما سيقت له لكانت صفات نقص، والله عز وجل منزه عن كل نقص، ومتصف بكل كمال وجلال.

وهذه الأسماء مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢].

فلا نثبت الخداع لله عز وجل إلا في مقابلة خداع المنافقين، ولا يجوز لنا أن نشتق من هذا صفة لله عز وجل أو اسماً، ولا يجوز أن نقول: إن الله مخادع؛ لأن هذه صفة فعل، يوصف بها الله عز وجل في مقابلة من استحق ذلك، أي: في مقابلة خداع المنافقين.

ومنها قوله عز وجل: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:٥٤].

فلا يجوز أن نقول: إن الله تعالى هو الماكر، ولكن نقول: إن الله تعالى يمكر في مقابلة مكر الماكرين، ومكر الكافرين، ومهما مكروا فمكر الله تعالى أعظم من مكرهم.

ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:١٤ - ١٥].

فلا يجوز أن نقول: إن الله تعالى هو المستهزئ، ولكن نقول: إن الله تعالى يستهزئ في مقابلة استهزاء المنافقين، ونحو ذلك مما يتعالى الله تعالى عنه، ولا يقال: يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ولـ ابن القيم عليه رحمة الله كلام كثير وعظيم جداً في هذا، فهو يقول: إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقاً، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه تعالى الماكر المخادع المستهزئ الكائد فقد فاه بأمر عظيم -أي: تفوه بأمر عظيم- تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه، وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال فاشتق له منها أسماء.

فالصفات تشتق من الأسماء، وليس العكس، فإننا نقول: إن الله تعالى حليم بحلم، فالحليم اسم والحلم صفة لله عز وجل، ونقول: عليم بعلم، وسميع بسمع، وبصير ببصر، وقوي بقوة.

فالأسماء تستلزم الصفات، وأما الصفة فلا يشتق منها الاسم، ولذلك أخطأ كثير جداً ممن صنفوا في الأسماء والصفات، وهناك كتب كثيرة وقعت في الخطأ، ومنها: الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، فقد ذكر فيه لله عز وجل أكثر من ثلاثمائة اسم؛ لأنه اشتق من الصفات أسماء، فقال مثلاً: إن الله تعالى هو المنتقم، وهو الماكر، وهو المخادع.