للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين حديث (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، وحديث (حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)]

أما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، وفي رواية: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش)، وفي رواية: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).

فقد قال القاضي عياض: (هنا يتوجّه سؤالان: الأول: أنه قد جاء في الحديث الآخر: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عاضاً) كما في الحديث الطويل: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، فإذا أراد الله أن يرفعها رفعها)، وقد رُفعت الخلافة الراشدة التي كانت على منهاج النبوة، وكان مدتها ثلاثون سنة وبضعة أشهر، وهي خلافة الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثون سنة) أي: تقريباً بزيادة أو بنقصان.

وهذا من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام.

قال: (فإذا شاء الله أن يرفعها رفعها، ثم يكون ملكاً عاضاً) وهو ملك بني أمية والعباسيين وغيرهم.

قال (فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم إذا أراد الله أن يرفعه رفعه، ثم يكون ملكاً جبرياً) وهو الذي تمر به الأمة اليوم، فالملك الجبري: أن يؤتي بهؤلاء السلاطين والحكام بغير اختيار من شعوبهم ولا اقتراع ولا انتخاب ولا رضا، وإنما جيء بهم فجثموا على صدور شعوبهم، وهم يعلمون أن الذي جاء بهم قادر على أن يذهب بهم مرة أخرى؛ ولذلك يعقدون الولاء لهم، فهم حكام في بلادهم لتنفيذ مصالح الغرب، وكنا من قبل نقول: لتنفيذ مصالح الغرب والشرق، وإن شاء الله غداً لا يكون هناك غرب بإذن الله تعالى، ولا يبقى إلا الإسلام عزيزاً منتصراً ما دام الناس يرجعون إلى دينهم، ويطيعون الله تعالى، ويطيعون النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: جاء في الحديث: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) أي: الخلافة التي على منهاج النبوة.

ثم تكون ملكاً عاضاً؛ وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة؛ لأن الخلافة التي مكثت ثلاثين سنة كانت خلافة الراشدين وهم أربعة، فإنه لم يكن فيها إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر أنها التي بويع فيها الحسن بن علي؟ ف

الجواب

المراد في حديث: (الخلافة ثلاثون سنة) أي: خلافة النبوة.

وقد جاء مفسراً في بعض الروايات: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عاضاً) ولم يشترط في هذا أن يكونوا اثني عشر خليفة، فلم يشترط أنها خلافة على منهاج النبوة، وإنما بين أن الخلافة التي تكون على منهاج النبوة هي خلافة الخلفاء الراشدين بعد عهد النبوة، ثم خلافة المهدي؛ لأنه قال: (ثم يكون ملكاً جبرياً، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، فإذا شاء الله أن يرفعه رفعه، ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة ثم سكت عليه الصلاة والسلام).

وهذا بشير خير لهذه الأمة: أن الخلافة بعد هذا الملك الجبري الذي تعاني منه الأمة تكون على منهاج النبوة بإذن الله تعالى.

وهذا لا يعني: أننا ننتظر حتى يأتي المهدي المنتظر، بل لا يمنع أن تكون هناك خلافة على منهاج النبوة قبل ظهور المهدي المنتظر، فلا بد أن يبذل كل منا جهده لإعادة الخلافة مرة أخرى ولقيام الدين مرة أخرى في الأرض.

السؤال الثاني: أنه قد ولي أكثر من هذا العدد، أي: أكثر من اثني عشر تولوا الإمارة، فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم اثنا عشر أميراً) مع أن الذي تولى إلى يومنا هذا أكثر من ذلك، بل إلى عهد الإمام النووي كانوا أكثر من ذلك؟

الجواب

هذا اعتراض باطل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر خليفة.

أي: لم يذكرهم على سبيل الحصر، وإنما قال: (يلي).

وقد ولي هذا العدد، ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم.

هذا إن كان المراد باللفظ: (كل وال)، ويحتمل أن يكون المراد مستحق الخلافة العادلين إلى يوم القيامة لا يزيد عن اثني عشر خليفة.

هل أبو بكر كان مستحقاً للخلافة؟ الجواب: نعم.

مستحق بالإجماع المعتبر؛ لأن الشيعة والخوارج لا يقرون بهذا، وكذلك عمر كان مستحقاً وعثمان وعلي كانا مستحقين، ثم لا يمنع بعد ذلك أن يكون هناك مئات أو آلاف الخلفاء ليسوا هم المعنيين بهذا الحديث، وقد مضى منهم من عُلم، ولا بد من تمام اثني عشر خليفة قبل قيام الساعة.

وقيل: إن معنى هذا الحديث: أنهم يكونون في عصر واحد.

أي: لا تقوم الساعة حتى يتولى اثنا عشر خليفة أمر المسلمين في زمان واحد وفي عصر واحد، فيكون بعضهم في الشرق وبعضهم في الغرب، وبعضهم في الجنوب وبعضهم في الشمال.

أي: يجتمع اثنا عشر خليفة على إمرة المسلمين، يتبع كل واحد منهم طائفة من المسلمين.

قال ا