قال: [(قال: ما هن يا ابن جريج؟ -أي: ما هذه الأربع؟ - قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين)]، وهما الركن اليماني والذي يليه وهو الركن الذي فيه الحجر الأسود، فعند الطواف فإنك تطوف من الشمال إلى اليمين، وتجعل الكعبة على شمالك؛ فالركن الذي هو المربع، والركن الذي فيه الحجر الأسود يسميان بالركنين اليمانيين؛ لأنهما من جهة اليمن، كما أن الركنين الآخرين الموازيين هما الركنان الشاميان؛ لأنهما من جهة الشام.
وإن كان الركن الذي فيه الحجر الأسود أقرب إلى جهة العراق لكن أطلق عليه اليماني من باب التسهيل أو التغليب أو الخيرية، وأنتم تعلمون أن أهل اليمن أخير من أهل العراق بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام لما أتاه وفد اليمن قال:(أتاكم أهل اليمن أرق الناس أفئدة وألينهم قلوباً، الفقه يمان، والإيمان يمان، والحكمة يمانية)، فهذه شهادة ليس لها في العراق مثيل، بل أرض العراق تذكر إذا ذكرت الفتن بخلاف أهل اليمن.
ولذلك نحن نقول: العمران من باب التسهيل لـ أبي بكر، وعمر مع أن أبا بكر أفضل من عمر؛ فـ أبو بكر أفضل الأمة وأفضل الأمة من بعده عمر، وأفضل الأمة من بعد عمر عثمان، وأفضل الأمة من بعد عثمان علي رضي الله عن الجميع، وترتيبهم في الخلافة على قدر ترتيبهم في الأفضلية، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة بخلاف الشيعة عليهم من الله ما يستحقون.
والركن اليماني الذي هو قبل ركن الحجر الأسود كان يستلمه عبد الله بن عمر ويمسحه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(مسح الركن اليماني يحط الخطايا حطاً)، وقال عن الحجر الأسود:(إنما هو حجر من أحجار الجنة كان أبيض كالثلج سودته خطايا بني آدم)، فيكفيك أنك تمس حجراً من أحجار الجنة أو تقبله، والسنة التقبيل فإن لم تستطع فلا تزاحم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عمر بن الخطاب عن الزحام، وقال:(يا عمر لا تؤذ الضعفاء) عمر قوي لو أراد عمر -وكان آخر الصحن- أن يقبل الحجر الأسود لاستطاع أن يزيح الناس من أمامه حتى يصل إلى الحجر، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام رآه يفعل ذلك وهو قوي والناس ضعفاء مكدودون متعبون من أداء هذا النسك، فقال: يا عمر! لا تفعل، قبله إن استطعت وإلا فاستلمه بيدك أو بشيء، يعني: أدخل يدك إلى الحجر فإذا لمست الحجر فقبل يدك، فإن لم تستطع بيدك فبالعصا، فإذا لم تستطع فإنما يكفيك أن تشير إليه مكبراً يعني: إذا كنت في مقابل الحجر وكنت بعيداً عنه لا تستطيع استلامه ولا تقبيله فأشر إليه بيمينك وقل: الله أكبر ولا شيء عليك، وإذا أشرت فلا تقبل، إما أن تقبل بفمك وإما أن تقبل شيئاً معك كاليد أو العصا إذا مسست بهما الحجر، أما أن تقبل يدك وأنت تشير بها دون مساس للحجر فهذا من بدع الحج أو من بدع الطواف.
والخلاف على استلام جميع الأركان كان في القرن الأول ثم أزيل الخلاف تماماً بعد ذلك، ولابد أن تعلم قاعدة وهي أن الإجماع يرفع الخلاف، يعني: إذا وقع خلاف على مسألة بعينها في القرن الأول ثم اتفق العلماء على شيء واحد وأجمعوا عليه رفع هذا الخلاف واعتبر كأنه لم يكن؛ لأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان إذا دخل مكة طاف بالبيت واستلم الأربعة الأركان، وكذلك كان يفعل عروة بن الزبير وغير واحد؛ لأنهم يعتقدون أن الأربعة الأركان من البيت ولا فرق عندهم بين الركنين الشاميين والركنين اليمانيين، ولكن هذا الفعل يرده فعله عليه الصلاة والسلام وأنه ما استلم إلا الركنين اليمانيين، أما الشاميان فلم يستلمهما عليه الصلاة والسلام، وهو يعلم أنهما من البيت، ولكن أصل ذلك عند معاوية وغيره حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أم عبد الله لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم).