للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر]

الباب الثامن والخمسون: باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.

قال: [يقول ابن عمر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى).

قال نافع: (فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)].

يعني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، بمعنى: طاف طواف الإفاضة، فالنبي عليه الصلاة والسلام في يوم النحر طاف طواف الإفاضة، ثم رجع فصلى الظهر بمنى.

إذاً: أول مافعله النبي عليه الصلاة والسلام هو أنه أتى من مزدلفة إلى منى ثم رمى جمرة العقبة، ثم حلق، ثم ذبح، ثم انطلق إلى مكة، فطاف طواف الإفاضة، وسعى بين الصفا والمروة، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر.

والنبي صلى الله عليه وسلم حج في ذلك الوقت راكباً، وهذا أخص.

قال: [وعن عبد العزيز بن رفيع قال: قلت لـ أنس بن مالك: (أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى، قلت: فأين صلى العصر يوم النحر؟ قال: بالأبطح، ثم قال: افعل ما يفعل أمراؤك)].

يعني: أنت ليست لك علاقة بالنبي عليه الصلاة والسلام، إنما النبي عليه الصلاة والسلام فعل هذا لأنه الأحسن، لكن لا يمنع أن يكون هناك خلاف الأحسن وهو الجائز، يعني خلاف المستحب الجائز أو المباح.

فقال له أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كيت وكيت، لكن لا يلزمك هذا، إنما الذي يلزمك هو اتباع الأمراء؛ لأن مخالفة الأمير سبب فتنة عظيمة، ونحن في الدروس الماضية ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة بمنى، وأبو بكر وعمر قصرا الصلاة بمنى، إلا عثمان رضي الله عنه فإنه صلى أربعاً، وصلى خلفه ابن مسعود رضي الله عنهما أربعاً، فقيل لـ ابن مسعود: لمَ صليت وقد علمت أن عثمان خالف السنة في ذلك؟ قال: الخلاف شر.

يعني: يرضيكم أن ابن مسعود يصلي في مكة ركعتين، ولا يصلي مع الإمام أربعاً، فصلاة الظهر بمنى أربع ركعات جائزة، وإن كان الأولى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو خالف أحد فصلى أربعاً تصح صلاته.

وهذه السنة العظيمة خفيت على عثمان بن عفان، وهنالك مسائل مشهورة ومستفيضة عند الصغار قد خفيت على الكبار؛ ليجري الله عز وجل سنته في الخلق مهما بلغت قيمته ومنزلته أنه لا يحظى بالعلم كله.

وموسى عليه السلام وهو نبي ذهب إلى الخضر وأخذ منه العهود والمواثيق الغليظة أنه لا يعترض عليه، ومع هذا أخطأ ثلاث مرات وأول مرة وثاني مرة قبل عذره، ولما أخطأ في المرة الثالثة فارقه، ولذلك قال له الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:٧٨]، أي: أنت لا تنفع للصحبة أبداً، مع أنه نبي لكنه بشر في النهاية، ولذلك هو معصوم في جهة الشرع، أما في غير جهة الشرع فليس معصوماً.

ولا يجوز على الأنبياء ارتكاب الكبائر باتفاق، أما الصغائر فالخلاف فيها قائم، والراجح جواز وقوع الأنبياء في الصغائر التي لا علاقة لها بالشرع.

إذاً: طواف الإفاضة ليس بواجب يوم النحر بل هو مستحب، يعني: يجوز لك أن تؤخره إلى اليوم الثاني والثالث والرابع؛ لأنه مستحب يوم النحر، وليس بواجب، بل بعض أهل العلم قالوا: إنما يجب أداء طواف الإفاضة في شهر ذي الحجة، ومن لم يفعله في شهر ذي الحجة فلا حج له، أي: ما أتم الله حجه كما قالت عائشة رضي الله عنها.

أما المستحب وهو أن يطوف في يوم النحر، وليس في ليلة الحادي عشر؛ لأن لغة الشرع تفرق بين اليوم والليلة.

فالليل يطلق على الليل، واليوم يطلق على النهار دون الليل.

ولذلك فإن الكتب التي عنيت بأعمال اليوم والليلة تجد فيها مثلاً: أذكار اليوم والليلة، أي: أذكار النهار والليل، لأن اليوم يطلق على النهار دون الليل.

فطواف الإفاضة في يوم النحر مستحب، ولا يتحلل التحلل الأكبر إلا به، أما إذا تحلل التحلل الأصغر بأداء منسكين من بقية المناسك، فإنه يحل له كل شيء إلا النكاح.

ولا يرخص في ترك المبيت إلا لأهل السقاية، وهم الذين يأتون بالماء من مكة، ويوم التروية سمي يوم التروية لأن الحجاج يتروون فيه، يعني: يأخذون ما يرويهم من العطش من مكة إلى منى.

وأيام التشريق سميت تشريقاً لأن اللحم كان فيها يشرق بمعنى: أنه يجفف، أو يشقق قطعاً ثم يجفف.