[من فوائد حديث ابن عباس في المحرم إذا مات]
قال النووي عليه رحمة الله: (في هذه الروايات دلالة بينة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وموافقيهم في أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط، ولا تخمر رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً).
يعني: يدفن على نفس هيئته التي مات عليها وهو محرم.
قال: (وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهم: يفعل به ما يفعل بالحي، ولكن هذا الحديث يرد عليهم.
وأما قوله: (اغسلوه بماء وسدر) دليل على استحباب السدر في غسل الميت، وأن المحرم في ذلك كغيره، وهذا مذهب جماهير أهل العلم.
وقوله: (لا تخمروا وجهه ولا رأسه)، أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه، أما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة: هو كرأسه.
وقال الشافعي والجمهور: لا إحرام في وجهه، بل له تغطيته).
وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة؛ لأن إحرام المرأة في وجهها ويديها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين).
وهذا يدل على وجوب أو استحباب -على الخلاف المشهور- تغطية الوجه والكفين لغير المحرمة، وإجماع أهل العلم أن إحرام المرأة في وجهها وكفيها، أما في سائر بدنها فلها أن تحرم في ملابسها العادية بخلاف الرجل.
قال: (إذا كان ذلك -أي: إحرام المرأة في وجهها- فالرجل على العكس منها، فإنه لا إحرام في وجهه)، وبالتالي له أن يستر وجهه.
فلو نام المحرم فهل له أن يضع منديلاً على وجهه؟ له ذلك، وله أن يلبس نظارة القماش، التي يعطونه إياها في الطائرة لينام فلا يتأثر بالضوء، فإذا لبس هذا الحاج فهل عليه شيء؛ لأن هذا يعتبر تخميراً لبعض الوجه؟
الجواب
لا يعتبر؛ لأنه لم يقصد لذاته، ولم تتخذ بنية تخمير الرأس أو بعضه، وإنما اتخذت لغيرها، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجوز للحاج أن يفعل ذلك؛ لأنه ما قصد تخمير الرأس، إنما قصد المساعدة على تخمير الوجه وهو جائز لهم.
ومع هذا فالأولى ترك ذلك، للخلاف القائم بين العلماء في جواز تخمير الوجه من عدمه؛ لأن المسألة على مذهبين عند أهل العلم: مذهب يقول بالجواز، ومذهب يقول بالحرمة، فلاشك أن القائل بالحرمة يلزم من المخالفة لحوق الإثم بالمحرم إذا خمر وجهه.
وإذا وقع الخلاف بين أهل العلم في قضية ما فالأحوط في الدين ترك ذلك؛ ما لم يقض الدليل بصحة أحد الأقوال، فإنه يصار إليه ولا يصار إلى غيره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
أتيت بهذا الحديث لأبين لك الفرق بين الكثير والقليل، أو بين الكبير والصغير، والحديث في الصحيحين.
ومفهوم الحديث: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد إلا إذا كان على عاتقه منه شيء، وقد شرح الحافظ ابن حجر هذا الحديث.
قال: الصلاة صحيحة؛ لأنه يصدق عليها ظاهر الحديث.
قال: ولو أخذ هذا الثوب بخيط على عاتقه صحت صلاته؛ لأن الحديث يقول: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
فقد تحقق شرط الحديث، وهو وجود الشيء على العاتق، ثم استفاض الحافظ ابن حجر في التأدب مع الله عز وجل، وبدأ يتكلم في الرقائق ويخاطب القلوب.
قال: ولكن لا يمكن لأحد أن يقف بهذا الملبس أمام أحد من عظماء الدنيا وغير ذلك، فمن باب أولى ألا يقف مصل أمام الله عز وجل في هذا إلا إذا كان ناسكاً، يعني: إلا إذا كان محرماً؛ لأن المحرم يصلي في الإزار والرداء، ولا يكشف شيئاً من عاتقيه.
المحرم لا يجوز له أن يكشف عاتقه الأيمن إلا في الطواف فقط، فإن أدركتك الصلاة وأنت تطوف فعليك أن تغطي كتفك الأيمن وتلحق بالإمام، فإذا انتهت الصلاة كشفت الكتف الأيمن ثم أتممت طوافك.
فالمصلي وإن كان محرماً لا يجوز له أن يكشف عاتقه، فالحافظ ابن حجر يخاطب القلوب والعقول النيرة فيقول: وهذا الموقف -أي: بين يدي الله عز وجل- أليق بكمال الرياضة، وأنه ينبغي للمرء أن يكون على أحسن هيئة وأجمل منظر، وهذا مخل بهذا الأدب وهذا الشرف -أي: شرف الموقف بين يدي الله عز وجل- أن يأتيه العبد وليس على عاتقه شيء.
من الفوائد: الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن حكم الإحرام باقٍ مع الميت حتى يبعث؛ لأنه بعث على حالته التي مات عليها.
فما بين موته وبعثته هو في حكم المحرم.
ومنها: أن التكفين في الثياب الملبوسة جائز، وهذا أمر مجمع عليه.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما خير في لحظة احتضاره بين ثيابه التي يلبسها، وأن يشتروا له ثوباً يكفن فيه قال: الحي أولى بذلك من الميت.
وهذا من أدبه وتورعه رضي الله عنه وأرضاه، فالثياب الملبوسة يجوز التكفين فيها بلا خلاف بين أهل العلم.
ومنها: جواز التكفين في ثوبين، وإن كان الأفضل ثلاثة، لكن يقال هنا: الأفضل ثلاثة لمن لم يكن محرماً، والأفضل في حق المحرم أن يكفن في ثوبيه.
ومنها: أن