[مع كل إنسان قرين من الجن]
قال: [وعن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن)]، (وكِّل) بمعنى كلف.
[(قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي! إلا أن الله أعانني عليه فأسلم؛ فلا يأمرني إلا بخير)].
من العلماء من قال: (فأسلم) من الإسلام، أي: أن الله تعالى أعان نبيه على قرينه من الشيطان حتى أسلم، أي: دخل في الإسلام؛ فهو حينئذ لا يأمره إلا بخير، هذا على تقدير فتح الميم في كلمة: (أسلم)، فحينئذ هو لا يأمرني إلا بخير، وهذا هو الراجح من الكلام.
وهناك تقدير ثان: (إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ)، أي: فأسلمُ من شروره، أي: من السلامة، لا من الإسلام، أي: فإنني حينئذ أسلم من شروره.
ومنهم من قال: (أسلم)، بمعنى استسلم، خاصة وأن بعض الروايات -ومنها رواية عند البخاري - أنه قال: (إلا أن الله أعانني عليه فاستسلم)، ومعنى (استسلم): انقاد وأذعن وأسلم إسلاماً حقيقياً، وليس إسلاماً ظاهرياً كإسلام الكثير من الناس.
وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين، ووسوسته، وإغوائه، فأعلمنا صلى الله عليه وسلم بأن القرين وهو الشيطان معنا؛ لنحترز منه بقدر الإمكان، والأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه، فلا يصيبه شيء من ذلك.
وفي رواية أخرى قال: [(وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة)]، أي: ما منا من أحد إلا ومعه قرينان: قرين من الجن، وقرين من الملائكة.
قال: [وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها حدثت عروة بن الزبير: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه)]، أي: أصابتها الغيرة.
[(فجاء فرأى ما أصنع، فقال مالك يا عائشة! أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟)].
وهذا الحديث لعله هو المتمم لحديث: (أحشيا رابية)، (فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة عائشة إلى المقابر ظنت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى إحدى نسائه، فخرجت خلفه وتبعته حتى أتى المقابر في ظلمة الليل، فرأى كالشبح، قالت: فدنوت منه حتى أتى المقابر فرفع يديه وظل يدعو لأهل البقيع فأسرع النبي عليه الصلاة والسلام خلف هذا الشبح، حتى دخل في بيت عائشة، فوجدها قد نامت في فراشها، ولكن فراشها يرتفع وينخفض)، وليس هذا شأن إنسان نائم، ولذلك أيقن النبي صلى الله عليه وسلم وأدرك فوراً أن عائشة هي الشبح الذي كان قد رآه في الطريق، (فنهزها في صدرها نهزة وقال: أحشيا رابية، أتظنين أن يحيف الله عليك ورسوله؟)]، يعني: هل أنت متصورة أنني سأظلمك فأتركك وأذهب عند غيرك؟! فلعل هذا الحديث من هذا الباب.
قال: [(قالت: يا رسول الله! أومعي شيطان)]، أي: هل زوجة النبي وبنت الصديق معها شيطان؟! [(قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم)].
أي: على تقدير الروايتين: حتى أسلمَ أو أسلمُ.