معنى قوله: (من ستر مسلماً ستره الله)
قال: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
(ومن ستر مسلماً): لا بد للصحوة أن تقف عند هذا النص، فما أسرع الغيبة والنميمة في الصحوة الإسلامية وما أفشاها وما أكثرها! ولذلك فإن مجتمع الصحوة مجتمع منفتح إلى أعلى مستوى، وإلى أقصى حد بخلاف عامة الناس الذين ربما لا يصلون ولا يصومون ولا يدرون في أي شهر نحن، ولا كيف أيامنا، ولا كيف نسير، ولا لماذا خلقوا، ومع هذا تجدهم في غاية الأدب والاحترام، فهم يكفون ألسنتهم، لا يتكلم أحد في عرض صاحبه، ولا في عرض جاره، ومهما ظهر على جاره من نعيم الدنيا وملذاتها لا يخطر على باله أن يسأل جاره من أين لك هذا؟ ولا يخطر على باله حتى أن يبارك له؛ لأن كل منهم في حاله، لكن مجتمع المناطق الشعبية، ومجتمع الصحوة على جهة الخصوص مجتمع قد امتلأ حقداً وحسداً وضغينة وهتكاً للأعراض وسلباً لعدالة الثقات العدول، وغير ذلك من هذه الأمراض الفتاكة التي تمر بها الصحوة الإسلامية اليوم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من ستر مسلماً) أي: على خزية وقع فيها أو منقصة.
ولو أن رجلاً اليوم وقع في معصية لانتشر صيت هذه المعصية في ملأ الصحوة كسرعة البرق.
ونحن مأمورون أن نستر عليه، وأنتم تعلمون قصة ماعز الأسلمي الذي زنى، واستدرجه سيده ومولاه، قال: اذهب بنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام حتى ينزل فيك قرآن بالتوبة، وهو يريد أن يقام عليه الحد، وأنتم تعلمون أن القصة طويلة، فلما أقيم عليه الحد التفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى نعيم بن هزال وهو سيد ماعز وقال: (ويحك يا نعيم) أي: ويل لك.
(لو سترته لكان خيراً لك) وهذا زنا، وهو كبيرة من الكبائر.
قال: (لو سترته بثوبك) يعني: الواحد ممكن يرى رجلاً يزني فيخلع له ثوبه ويستره.
هذا ظاهر الحديث.
وما الذي يمنعك من ذلك والشرع قد أتى بكل خير وحث على الستر؟ ولذلك فإن هذه المجلات والصحف التي تذكر الحوادث لم تعالج ظاهرة الفساد في المجتمع بل كانت سبباً في انتشار الجريمة أكثر، وتجد الرجل يدخل السجن بجريمة واحدة ويخرج منه مجرماً حقيقياً.
وجدت ولداً عمره اثنا عشرة سنة، يحوم حول سيارة، فراقبته من بعيد حتى فتح باب السيارة، فلما وضع يده على المسجلة أخذته برقبته، فقال: والله ما عملت شيئاً.
فقلت له: المسجلة في يدك.
فقال: سيارة أبي نفس السيارة هذه.
فقلت له: اتحاد السيارة يعني اتحاد المسجلة.
ثم قلت له: على أية حال أنا سأتركك؛ لأنك لو دخلت السجن ستخرج مجرماً كبيراً، ليس سارق تسجيلات أو شيء تافه، ستخرج من السجن وستمارس سرقة الفلل والقصور؛ لأنك ستجد العمد كلهم والبهوات الكبيرة والمتخصصين على أعلى مستوى داخل السجن.
ثم أخذته معي المسجد وأعطيته عصيراً وباسطته، وأخذت منه المسجلة وذهبت بها لصاحب السيارة وقلت له: هذه المسجلة لكم؟ قال: ما كنت أظن أن شيخاً يسرق؟ فقلت له: لو أن الشيخ سرق فلماذا يرجعها لك؟ فقصصت عليه الحكاية فقال لي: أعطني الولد.
قلت له: أنا سأضبط المسألة.
ثم إن هذا الولد -الحمد لله تعالى- يتردد الآن على المسجد، ويأتي من أماكن بعيدة، ويركب مواصلات من أجل أن يصلي ويثبت لي أنه على خير وأنه يأتي المسجد.
والبارحة قلت له: ما هي الأخبار.
قال لي: والله ما أفعلها إلا إذا كنت محتاجاً.
لكني أريد أن أقول: الإخوة أحياناً يكون العلم وبالاً عليهم، إذا لم يكن فيه إخلاص وتقوى وتطبيق للعلم في قلب صاحبه يصير وبالاً عليه، فيقف عند حد الشبهات دائماً، ويعمل مثل الثعبان أو الحرباء يتلون ويتشكل على قدر مصلحته.
قال: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
المسلم لما يعمل شيئاً الأصل فيه الستر حتى لا تتفشى الرذيلة في المجتمع، وتأمره وتنهاه سراً، ولا تذهب تفضحه.
والبعض من الصحابة رضي الله عنهم وقعوا في الكبائر، ومع هذا رضي الله عنهم ورضوا عنه، ولست بذلك أهون من شأن المعصية، والذي وقع في المعصية وجاء خبره في القرآن والسنة تاب الله عز وجل عليه بتوبته، بل ربما بدل سيئاته حسنات بحكم التوبة، ولذلك لما جيء برجل من الصحابة اتهم باللواط مع طفل، جاءوا به إلى عمر، فقال عمر: يؤخذ كل شاهد على حدة.
فيقال لكل منهم: هل رأيت؟ يقول: والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت ذكره في دبره.
فلما جيء بالرابع قال: عمر: يا فلان! اتق الله ولا تشهد إلا بما رأته عيناك، أرأيت ذكره في دبره؟ قال: لا يا أمير المؤمنين ولكني رأيتهما ملتحفين واللحاف يرتفع وينخفض، فقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: الله أكبر، وأقام حد القذف في ظهر الثلاثة الأول، مع أن كل واحد منهم أقسم أنه قد رأى بعينيه، لكن هذه الشهادة على هذا الحد لم تكتمل النصاب، وأنتم تعلمون أن النصاب فيه أربعة شهود.
فلما أتى هذا الشاهد الرابع بما لا يقام به الحد كان يلزم أمير المؤمنين أن يقيم حد القذ