[سبب نزول قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين)]
قال: [حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة -وهو ابن الحجاج العتكي البصري - عن عدي بن ثابت -وهو الأنصاري الذي تحول إلى الكوفة واستوطنها- قال: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كانوا معنا].
ورجوع هؤلاء كان يقدر بحوالي ثلث الجيش، وذلك في العام الثالث من الهجرة، ورجع ثلث الجيش لا يبشر بخير، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم استبشر بذلك خيراً، لأن هؤلاء في وسط الصفوف لا يخدمون أهل الإيمان، ولا يخدمون حقيقة النصر، وإنما هم شر على من معهم، ووجود هؤلاء في الصف خذلان وليس نصراً.
فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شأن هؤلاء فرقتين، أي: اختلف الثلثان الذين بقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام في الثلث المنسحب إلى فرقتين وفريقين: فبعضهم يقول: نقتلهم، والبعض الآخر يقول: لا نقتلهم، فنزلت قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء:٨٨] يعني: فما لكم اختلفتم إلى فئتين في أمر المنافقين؟ فأثبت الله أن من رجع في هذه الغزوة كان منافقاً، وهذا شيء رائع أن يعرف المنافق، فالشيء الذي نغضب من أجله هو أنه لا يوجد وحي ينزل يقول لنا: فلان منافق، وفلان مؤمن، فالوحي انقطع بموت النبي عليه الصلاة والسلام.
فنجد في هذا العصر أن بعض الناس يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسحر، ويرد الحديث الذي في البخاري ومسلم.
والبعض الآخر ينكر الحديث الذي في البخاري بدعوى أنه يعارض العقل، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الأخرى دواء).
ويقول مثلاً: الصحابة بشر يصيبون ويخطئون.
فيرد عليه: بأنه يلزم على قوله أن الصحابة والأمة كلها أجمعت على الباطل في هذا التواتر الذي نقل به العلم والوحي، وأنت الوحيد الذي جئت تكتشف هذا بعقلك! ولو كانت المسألة مسألة فهم وعقل؛ فهل عقلك وفهمك أولى من فهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين والتابعين والأئمة المتبوعين؟ وتجد بعضهم يصلي ويصوم، لكنه يؤذي الجيران، فلو مات مات على معصية، ويثبت له إيمانه، وأما إذا ترك كل الطاعات فكيف يثبت له الإسلام؟! بل كيف يثبت له الإيمان؟! وكذلك الذي يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان في داره، وكان يغض الطرف عن عمر وهو يزني، فهذا كفر؛ لأنه اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فنحن الآن في زمن ماجت فيه الفتن كموج البحر، فتجد أعمالاً ظاهرها الإيمان لكن القلوب أشد من قلب عبد الله بن أبي ابن سلول، وأنا في الحقيقة: في هذه المسائل كالصاروخ لا أتوقف، فمن أتى عملاً يكفر به فهو كافر، هذا هو دين الله تبارك وتعالى، ولم نأت به من عندنا، ومع هذا؛ نقسم بالله العظيم أننا في غاية التحري في مسائل الإيمان والكفر، ولما أقول على فلان: إنه كافر؛ وهو ليس كذلك حارت الكلمة علي، وأنا لا أتصدق بنفسي أبداً على أحد، ولا أجعل مصيري يوم القيامة هدية لأحد قط، لكن نتكلم بقال الله وقال رسوله، وفهم أئمة الدين، فإذا وقع إنسان في اعتقاد أو قول أو فعل يكفر به كفرناه، وعلى المسلم التوبة إلى الله عز وجل.
قال: [قال الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء:٨٨]] يعني: يا أيها المؤمنون! ما لكم اختلفتم فيمن رجع في غزوة أحد إلى المدينة ولم يشارك في الغزو معكم، اختلفتم فيه إلى فرقتين؟ {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء:٨٨] أي: والله خيب آمالهم، وأبطل سعيهم بما كسبوا، {أَتُرِيدُونَ} [النساء:٨٨] أي: أيها المؤمنون {أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:٨٨].