الشرط الرابع: رد المظالم إلى أهلها إن كانت المعصية متعلقة بحق آدمي.
ثم إن من الذنوب التي بين العباد ما يمكن رده ومنها ما لا يمكن رده: فالذي يمكن رده مثل: سرقة المال، أو أي متاع أو منقولات أو غير ذلك، فهذا بلا شك أن دليل صدق التوبة: إرجاع الحق إلى صاحبه، وإلا فلا يكون صادقاً في توبته، وهذا مشروط بالإمكان، فلو أن شخصاً فقيراً لا مال له البتة، لكنه ابتلي ببلية شرب الخمر، فهو يسرق كثيراً ليشبع شهوته، وبعد أن تاب من السكر لا حاجة له إلى سرقة المال؛ لأنه كان يسرق لأجل الشرب، فلما تاب من الشرب تاب معها من السرقة، فإذا كان يسرق في اليوم -مثلاً- مائة جنيه لمدة سنوات عديدة، ثم حسبها فأصبح عليه عدة آلاف، فالغالب أنه لا يمكنه أن يؤدي هذا المال إلى صاحبه، لكن بإمكانه أن يستسمح من صاحبه، وينبغي أن يكون صاحب المال كريماً، فلا يرد هذا الطالب، أما إذا كان قادراً على رد المال فلا يجزئه طلب العفو، وإنما يلزمه لزوماً أكيداً أن يدفع الحق إلى صاحبه، إلا أن يعفو صاحبه بغير طلب منه.
لكن لو أن إنساناً في أيام شقوته وتعاسته كان يزني، ثم تاب من هذه البلية، فكيف يرد المظالم إلى أهلها؟ هل يذهب -مثلاً- إلى من زنى بامرأته أو أخته أو أمه ويقول له: هذه أمي، أو هذه ابنتي، أو هذه أختي ازن بها!! أم هل يدفع تعويضاً، أو دية لذلك؟! إن هذا باب من أبواب المظالم التي بين العباد التي لا يمكن ردها قط، وإنما يتوقف ذلك على إقامة الحد على هذا العبد، أو أن يتوب إلى الله عز وجل بغير إقامة الحد عليه، فيتوب الله عز وجل عليه أو يعذبه؛ لأن الله سبحانه وتعالى له أن يفعل ما يشاء، وهذه الكبائر إذا تاب منها العبد تاب الله عليه، وإذا أقيم عليه الحد كان في ذلك كفارة له، وإذا مات مصراً على الذنب فهو في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إلا إذا استحل الذنب مع قيام الحجة عليه، فإنه يكفر بذلك.