[باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: استعمال المسك وأنه أطيب الطيب].
الطيب أنواع متعددة جداً بلغت مئات الأصناف، والمسك هو أطيب الطيب، ويكره رد الريحان والطيب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد: الوسادة، والدهن، واللبن) والدهن هو العطر، والوسادة هي المخدة، عندما يعطيك شخص مخدة أو مسند أو شيء تجلس عليه أو تركن عليه يستحب لك قبول هذا العرض، وكذلك اللبن، والفلاحون يعرفون بالفطرة أن اللبن لا يرد، والشرع أيدهم في ذلك من باب الاستحباب لا من باب الوجوب، وكذلك الطيب قبوله مستحب في الشرع ورده ليس بحرام، وإنما هو مكروه كراهة تنزيه، أما رده لعلة فلا يكره.
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة - عن شعبة قال: حدثني خليد بن جعفر -وهو ابن طريف الحنفي البصري أبو سليمان - عن أبي نضرة -وهو المنذر بن مالك بن قطعة العبدي - عن أبي سعيد الخدري - سعد بن مالك بن سنان - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي بين امرأتين طويلتين)].
طبعاً هذه مذمة، واحدة طولها مترين من هنا والأخرى طولها مترين من هنا وهذه طولها مائة وأربعين أو مائة وثلاثين سنتيمتر، أي: أن عيبها ظاهر بشدة، ولو أنها مشت بمفردها فالأمر يستساغ، لكن امرأة قصيرة بين امرأتين طويلتين، كأنها تنادي على نفسها بالعيب.
قال: [(فلما علمت ذلك من نفسها، اتخذت رجلين من خشب)].
وما أكثر نساء اليوم اللاتي يتخذن الكعب العالي من أجل أن تبدو طويلة، ولذلك عندما تخلع المرأة هذه الجزمة أو الصندل تحس أنها نزلت من على سلم.
قال: [(فاتخذت رجلين من خشب، وخاتماً من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكاً وهو أطيب الطيب)].
يعني: تزينت بالطول وبالرائحة.
قال: [(فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها)].
لأنهم يعرفون أنها قصيرة وليست صاحبة عطر.
[(فقالت بيدها هكذا)].
يعني: أنا مثلكن وأحسن منكن.
قال: [حدثني عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون عن شعبة عن خليد بن جعفر والمستمر].
المستمر -هو ابن الريان الزهراني الإيادي أبو عبد الله البصري -قالا: سمعنا أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة من بني إسرائيل حشت خاتمها مسكاً والمسك أطيب الطيب)].
يريد هنا أن يبين من هذه القصة: أن المسك هو أطيب الطيب، بل هو أحب الطيب إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن المقرئ -وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ - قال أبو بكر: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب حدثني عبيد الله بن أبي جعفر عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عرض عليه ريحان فلا يرده)].
الريحان يطلق على جميع أنواع الطيب؛ لما له من رائحة [(فإنه خفيف المحمل طيب الريح)].
يعني: خفيف الحمل ليس بثقيل.
قال: [ومن حديث مخرمة عن أبيه عن نافع قال: (كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بالألوة)].
(كان ابن عمر إذا استجمر) يعني: أشعل الجمار.
وهذا لا يزال الآن يستخدم في بلاد العرب، فكان عبد الله بن عمر إذا أراد أن يطيب المكان أو نفسه أو الضيفان استجمر بالألوة، وهو ما يسمى الآن بالعود.
قال: [(غير مطراة)].
يعني: استجمر بالعود ولم يخلطه بشيء.
فقوله: (غير مطراة) أي: غير مخلوط.
قال: [(وكافور)].
يعني: كان مرة يستخدم الألوة الذي هو العود الصافي غير مخلوط، ومرة يخلطه بكافور.
[ثم قال: (هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
وفي أحاديث الباب: بيان أن المسك أطيب الطيب وأفضله، وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه وهذا كله مجمع عليه إلا ما جاء عن الشيعة فهو باطل، ويرد عليهم بإجماع المسلمين والأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم المسك واستعمال أصحابه كذلك له، وهو مستثنى من القاعدة المعروفة: (أن ما أبين من حي فهو ميت)، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو أطيب الطيب)، والشيعة قالوا: المسك خبيث، وحرموه؛ لأن المسك يؤخذ من دم الغزال، والحقيقة أنه