للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)]

قال: [عن سالم بن عبد الله عن أبيه -وهو عبد الله بن عمر - قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)].

وهذا الحديث له مناسبة، وهي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في طريق مع ركب فتأخر عنهم، ثم أدركهم، وفيهم عمر يحلف بأبيه، فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، وهذا النهي موجه إلى الأمة لثلاثة أدلة: الدليل الأول: عموم اللفظ، (إن الله ينهاكم)، وهو وإن كان موجهاً بالدرجة الأولى إلى الصحابة الذين كانوا معه في هذه الفترة على جهة الخصوص إلا أنه يعم الأمة كلها.

والدليل الثاني: قول الأصوليين: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، يعني: أن السبب الذي جعل النبي عليه الصلاة والسلام يقول هذا القول هو أنه سمع عمر يحلف بأبيه، فلم يقل له: يا عمر! لا تحلف، وإنما قال: (إن الله ينهاكم)، أي ينهى عمر ومن مع عمر، والأمة كلها من بعد عمر إلى قيام الساعة، فالعبرة بعموم اللفظ الوارد في القضية، وليس بالسبب الذي لأجله قيل هذا اللفظ.

الدليل الثالث: أن هذا قول من النبي عليه الصلاة والسلام، والأصل في القول أنه تشريع للأمة، خاصة إذا فهم هذا من ظاهر الخطاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم) يدل على هذا، أي: ينهاكم يا معشر المؤمنين! ويا معشر المؤمنات! أي: لا ينهى عمر فقط، وإنما ينهى عمر ومن معه من الأمة إلى قيام الساعة عن الحلف بالآباء.

وقد وردت روايات كثيرة جداً تنهى عن الحلف بالآباء، وعن الحلف باللات والعزى أو بالأصنام أو باليهودية والنصرانية، وعن قول القائل: أنا بريء من ملة الإسلام إن لم يكن كيت وكيت، وغير ذلك من الروايات التي أخذ منها أهل العلم عموم التحريم أو الكراهة، إلا إذا كان الحلف بالله وأسمائه وصفاته.

ووردت روايات تحض وتحث المسلم إذا أراد الحلف أن يحلف بالله وأسمائه وصفاته، فضلاً أن عمل الأمة من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا على أن اليمين المنعقدة إنما هي إذا كانت بالله فرداً أو ثلاثاً، ومعنى: فرداً، يعني: أن يحلف بالله مرة واحدة، أو أن يحلف بالله ثلاثاً حتى يعقد اليمين عقداً، ويعلم خطورة الكذب فيه وأنه يمين غموس إذا كان كاذباً أو حنث في هذا اليمين.

قال: [قال عمر -أي: لما سمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)].

(فوالله)، لم يقل: وأبي، أو تربة جدي، أو وقبر الحسين، أو غير ذلك، وإنما لما سمع النهي غيَّر يمينه وقال: [(فوالله ما حلفت بها -أي: بآبائي- منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ذاكراً ولا آثراً)، يعني: لم يحلف قط بغير الله عز وجل بعد أن سمع النهي في ذلك، ولا أنه نقل يمين غيره، وهذا معنى: (ولا آثراً)، أي: لا يروي كلاماً عن الآخرين فيه يمين بغير الله.

وهذا يدل على شدة التزام الصحابة واتباعهم لأوامره عليه الصلاة والسلام، وانتهائهم عن نواهيه.

قال: [وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد]، وعُقيل بالتصغير، وجده عَقيل، فهو عُقيل بن خالد بن عَقيل الأموي، سكن المدينة ثم انتقل إلى الشام ثم استقر في مصر ومات بها، وإليه ينتهي هذا الإسناد ليبدأ إسناد جديد لـ مسلم من أول الأمر.

قال: [وحدثنا إسحاق بن إبراهيم] وهو المعروف بـ إسحاق بن راهويْه، أو راهويَه.

قال: [وعبد بن حميد]، وعبد لقب، واسمه عبد الحميد، وقيل: بل عبد اسم، لكن الراجح أن عبداً لقب، واسمه عبد الحميد.

[قالا -أي: إسحاق وابن حميد - حدثنا عبد الرزاق -وهو ابن همام الصنعاني اليماني، إمام اليمن- قال: أخبرنا معمر -وهو ابن راشد البصري تحول من البصرة وسكن صنعاء في اليمن- كلاهما عن الزهري]، وهذا الضمير يعود على معمر وعُقيل بن خالد فكلاهما يروي عن الزهري.

[بهذا الإسناد]، قوله: بهذا الإسناد فيه إشارة إلى السند السابق، الذي هو الزهري عن سالم عن عبد الله عن أبيه عمر، وكأنه أراد أن يقول هنا: كلاهما -أي: عُقيل ومعمر - عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر ب