[شرح حديث عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة)]
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده -أي: عن أبيه الوليد بن عبادة بن الصامت عن جده عبادة بن الصامت رضي الله عنه- قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة)] فهذا محل البيعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع على أشياء كثيرة، يبايع على النصرة، على المنع، على القتال، على الإسلام، على ترك المعاصي وغير ذلك من سائر صنوف أمور البيعة قال: [(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)].
انظر إلى محل البيعة! السمع والطاعة بأحوالها، (في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم).
وهذه المسألة صعبة جداً، ولا يقدر عليه إلا الرجال حقيقة.
قوله: (في المنشط): أن تكون واقفاً بجانب الأمير تنتظر أن يأمرك بأمر وتنطلق كالسهم لتنفّذ هذا الأمر.
قوله: (والمكره): فلا تبتعد من الأمير وتتخفى خلف كل جدار وحائط وعمود، لا تريد أن يراك، فيأمرك.
والصحابة رضي الله عنهم حينما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة يوم الأحزاب: (من يأتيني بخبر القوم وهو رفيقي في الجنة؟) فأحجم الناس جميعاً ولم يقل أحد: أنا يا رسول الله! إذ كانوا متعبين من البرد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قم يا يا حذيفة)! فقام حذيفة في هذا الوقت وهو كاره، وهو ليس في حقيقة أمره كارهاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما لظروف البرد والجو، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يُذهب عنه البرد.
قال حذيفة: (فكنت أمشي أتصبب عرقاً، حتى أتيت على القوم فوجدتهم قد أوقدوا ناراً يدفئون أبدانهم).
فالطاعة واجبة في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر.
قوله: (وعلى أثرة علينا) أي لا ننازعه دنياه، حيث يأخذ منها ما يشاء، والناظر لتاريخ الأمة الإسلامية وولاتها وأمرائها يعلم أن أي أمير أو سلطان ما تولى إلا وحصّل من الدنيا الكثير والكثير إلا القليل من الولاة، ولو أردنا أن نذكر بعضهم لقلنا: من هؤلاء جميعاً: النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة، ثم عمر بن عبد العزيز.
وأما الكثرة الكاثرة من الولاة والأمراء فأول ما يحرصون على جمع الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا سيقع منهم لا محالة، فلا تنازعوهم؛ لأن منازعتكم إياهم حينئذ فساد لدينكم ودنياكم، فالمنازعة تؤدي إلى القتال، والقتال فساد للدين والدنيا.
إذاً: إذا أمروا بالطاعة وجب علينا الامتثال، وإذا أمروا بالمعصية وجب علينا الرد وحرمت علينا الطاعة حينئذ.
قال: (وعلى ألا ننازع الأمر أهله) بلا شك ينصرف إلى الذهن أولاً أننا لا ننازع الولاة أمورهم وشئونهم وولايتهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا كان المقصود بالأمر: الولاية والسلطان والخلافة، فهذا بلا شك أولى وأولى؛ لأن هذا سياق الحديث، وإذا أخذنا بعموم اللفظ لقلنا: إنه لا يجوز لأحد أن ينازع أو أن يهجم على أمر ليس له فيه شيء، فلو أن طبيباً بنى عمارة، لقلنا بأنه نازع الأمر أهله، ولو أن مهندساً أجرى عملية جراحية فقتل المريض، لقلنا: يحاكم ويعاقب؛ لأنه نازع الأمر أهله، وليس الأمر من شأنه.