وسنعيش في هذا الدرس مع أول فرض من فروض الإسلام، وهو أعظمها على الإطلاق، وهو توحيد الله عز وجل، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام بقوله:(الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله).
وهذا التعريف أفاد موضوعين: الموضوع الأول: توحيد المعبود سبحانه وتعالى، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه.
والموضوع الثاني: توحيد المتبوع صلى الله عليه وسلم، فإنه لا متبوع غيره، وكل من هو دون النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم، سواء كان من الصحابة أو من التابعين أو من الأئمة المتبوعين أو غيرهم، وصدق مالك وغيره من علماء السلف رحمهم الله عندما أشاروا إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم بالأمر العتيق -أي: الأمر القديم-.
وقال: إذا كان أحدكم مستناً فليستن بمن قد مات، ولا يستن بمن هو حي، فإن الحي يقول القول اليوم ويرجع عنه غداً، وأما الذي مات فقد انقطع كلامه وأثره، ويبقى الكلام المسطور حجة له أو عليه، فإن أصاب الكتاب والسنة فهو حق، وإن خالف الكتاب والسنة فيرد، سواء كان لقائله أجر واحد، أو مع تأثيمه إن كان من أهل البدع والضلال.
والله عز وجل قد فرض توحيده عز وجل، كما فرض اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لأن الله عز وجل خص الأنبياء بما حرم منه البشر جميعاً، فخصهم بالعصمة في أمور الشريعة، وما أمروا بتبليغه للخلق، وهذه العصمة هي التي تجعل المقلد للرسول الله صلى الله عليه وسلم والمتبع له مطمئن القلب إلى تقليده واتباعه؛ لأنه معصوم عن الخطأ والنسيان في بيان الشريعة، والأنبياء غير معصومين في أمور الدنيا، بل يصيبون ويخطئون، وأما ما أمروا بتبليغه لأقوامهم فإنهم معصومون فيه بكل حال، فما من نبي إلا وقد بلغ أمته ما أمره الله عز وجل به وما أنزله عليه، ولم يقصر أحد منهم في البلاغ ولا في البيان، وهذه هي العقيدة الصحيحة في النبوة، فما من نبي إلا وقد بلغ ولم يقصر، والأمم إما متبعة وإما مبتدعة وإما محاربة لأنبيائها، كبني إسرائيل، وأما هذه الأمة المباركة فإنها في غالب أحوالها متبعة لنبيها، وقد ظهرت البدع والضلالات بعد وفاة نبينا صلى الله عليه وسلم مع ظهور الفتن.
فالشاهد هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله).
وهذا فيه بيان توحيد الله عز وجل وتوحيد المتبوع، وهو النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم المأمون خطؤه وزلَلُهُ، ولذلك قال الله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١]، ولم يقل: فيه وفي أصحابه أو في صالحي الأمة، وإنما خص نبيه بهذا، فالأسوة مخصوصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.