للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعتبار المحدثين لكل طريق من طرق الحديث حديثاً مستقلاً

والمحدثون يعتبرون الطريق أو الوجه حديثاً، ويقولون: حديث: (إنما الأعمال بالنيات) ليس حديثاً واحداً، وإنما سبعمائة حديث، مع أن الجميع يحفظه على أنه حديث واحد، أخرجه البخاري ومسلم، قالوا: لأن الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر، والذي رواه عن عمر هو علقمة بن وقاص الليثي، والذي رواه عن الليثي هو محمد بن إبراهيم التيمي، والذي رواه عن التيمي هو يحيى بن سعيد الأنصاري، والذي رواه عن الأنصاري سبعمائة نفس، وكل نفس عن الأنصاري عن التيمي عن الليثي عن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام يعدونه حديثاً.

فالمحدثون يعتبرون أن كل وجه أو كل طريق أو كل إسناد يروى به الحديث حديث قائم بذاته، ويقولون: قد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام عشرة ملايين حديث، وآخر يقول: لا، بل هي مليوني حديث، ونحن لا يوجد بين أيدينا أحاديث صحيحة بلغت مائة ألف، وإنما هذه الملايين باعتبار الطرق والأسانيد والأوجه التي يروى بها كل حديث على حدة، فهم لا ينظرون إلى المتن وإنما ينظرون إلى السند، بخلاف الفقهاء الذين ينظرون إلى المتن ولا ينظرون إلى الإسناد، فتعدد الأسانيد لا يلزم الفقهاء، كما أن المحدثين في الغالب لا ينظرون إلى المتن، ولست أعني بذلك أنهم لا يعتنون بنقد المتون والروايات، بل هذا عمل المحدثين، وإنما لا ينظرون إلى المتن من جهة عد الروايات، وغالب اعتمادهم على الأسانيد والطرق والأوجه.

فهنا يقول: [غير أن في حديث عُقيل: (ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ولا تكلمت بها)، ولم يقل: (ذاكراً ولا آثراً)].

وقوله: (وفي حديث عُقيل: ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها) لا يدل على أن عُقيلاً سمع النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما التقدير: غير أن في حديث عُقيل عن الزهري عن سالم عن عبد الله عن عمر أنه قال: (ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها)، ولم يذكر عُقيل في طريقه قول عمر: (ذاكراً ولا آثراً).