قال المصنف رحمه الله تعالى:(باب: كراهة قول الإنسان: خبثت نفسي).
أو أن يقول: إن نفسي خبيثة! فهذا اللفظ أنت منهي عنه إما لنفسك أو لغيرك، فلا تقل: هذا فلان خبيث، أو نفسه خبيثة، أو خبثت نفسي، أو خبثت نفس فلان فكل هذه من الألفاظ التي نهى عنها الشارع، ولكن قل: لقست نفسي أو لقست نفس فلان، والأولى ألا تتهم؛ لأن هذا ربما يعد من السباب أو الغيبة أو غير ذلك، ولكن إذا أردت أن تعبر بالخبث فقل: لقست نفسي، ولا تقل خبثت نفسي، وإن كانت الكلمتان تؤديان معنى واحد، فلقست بمعنى خبثت؛ واللقس في اللغة: هو الخبث، ولكن الشارع أراد أن ينزه عباده عن صريح الألفاظ المذمومة، فعندما تقول لفلان: أنت خبيث؛ فإنه يفهمها ويتأذى بها، لكنك لو قلت له: لقست نفسك.
فسيقول لك: وما معنى ذلك؟ وسيبحث عنها في لسان العرب -مثلاً- فيبحث في حرف اللام والقاف والسين، ويبحث في آخر حرف في الكلمة الثلاثية وهو السين، وبعد ذلك بحرف اللام ثم القاف بين اللام والسين.
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء -وهو الهمداني الكوفي - حدثنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة -كلاهما عن هشام عن أبيه -أي: حماد بن أسامة وابن عيينة يرويان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي).
وهذا حديث أبي كريب، أما حديث أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال نفس الحديث ولم يذكر (لكن).
وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير - وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقل أحدكم: خبثت نفسي، وليقل: لقست نفسي)].
ومعنى لقست: غثت.
من الغثاء.
أي: ضاقت.
فإن قيل: فقد قال صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن صلاة الصبح في وقتها: (فأصبح خبيث النفس كسلان) بخلاف طيب النفس النشيط، فكيف نجمع بين هذا الحديث وبين قوله:(لا يقل أحدكم: خبثت نفسي)؟ ف
الجواب
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن صفة غيره، وهو شخص مبهم وليس معلوم الحال، فلا يمتنع إطلاق هذا اللفظ عليه ما دام مجهولاً، ومادام قد وقع في أمر مذموم وهو ترك صلاة الفجر.
والله تعالى أعلم.
وهذه الآداب التي ذكرناها إنما تتعلق بحقوق المسلم على المسلم، أو بحق المسلم على نفسه، وقد ورد لفظ الخبث في الروايات الكثيرة عن اليهود والنصارى والمشركين، فاليهود وصفهم بذلك إمامهم وسيدهم في ذلك الوقت عبد الله بن سلام فقال:(يا رسول الله! سلهم عني فإنهم قوم بهت) وفي رواية: (فإنهم قوم خبث)، وليست الحجة في قول عبد الله بن سلام، وإنما الحجة في إقرار النبي عليه الصلاة والسلام لهذا القول لما سمعه ولم ينكر عليه.