[ذكر ما يستقبلون به من الكرامات عند مصيرهم إلى الجنة ودخولها]
ورد حديث عن علي بن أبي طالب، وهو حديث موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، قال:(يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً -أي: أفواجاً ودفعات- حتى إذا أتوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما -أي: ذهبوا إلى أحدهما- كأنما أمروا فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من قذر، وأذى أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى) أي: ذهبوا إلى العين الثانية: (فتطهروا منها، فجرت عليهم أبشارهم بنضرة النعيم، فلم يغيروا ولم تغير أبشارهم بعدها أبداً، ولم تشعث أشعارهم، كأنما دهنوا بالدهان).
يعني: تطيبوا بالعطر (ثم انتهوا إلى خزنة الجنة) أي: ذهبوا إلى خزنة الجنة، (فقالوا: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، ثم تلقاهم أو تلقتهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم -أي: بالأقارب الأحماء- يقدم من غيبته يقولون له: أبشر بما أعد الله لك من الكرامة، ثم ينطلق غلام من بين أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين) يعني: الولد الصغير يذهب سريعاً إلى الحور العين (يقول لهن: قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا).
ومعلوم أن المرء يدعى يوم القيامة باسم أبيه؛ والعوام يظنون أن الواحد ينادى عليه يوم القيامة باسم أمه، وهذا غلط، وهذه مسألة اعتقادية، فالمرء ينادى باسمه واسم أبيه، حتى وإن نسب إلى غير أبيه، يعني: وإن كان ولد زنا، فإنه يدعى باسمه واسم أبيه الحقيقي صاحب الماء.
فالغلام يذهب إلى زوجته من الحور العين ويقول لها: زوجك أتى، قال:(فيقول: قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا، فيقولون -أي: الحور العين-: أنت رأيته؟ فيقول: أنا رأيته، وهو ذا يأتي، فيستخف إحداهن الفرح) يعني: الفرح يأخذ الواحدة منهن أخذاً لا تستطيع أن تصبر، تريد أن ترى زوجها وحبيبها، (حتى تقوم على أسكفة الباب) يعني: حتى تقف على عتبة القصر، (فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه) أي: إذا ذهب إلى بيته في الجنة نظر إلى الأساس الذي بني منه هذا البيت، قال:(فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه مرج أخضر، وأصفر، وأحمر من كل لون، ثم رفع رأسه إلى سقفه فإذا مثل البرق، فلولا أن الله تعالى قدره لألم أن يذهب بصره) يعني: لولا أن ربنا كاتب له البقاء لذهب بصره من فرط فرحته، وذهول ما ينظر إليه.
(فإذا نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه مرج أخضر، وأصفر، وأحمر من كل لون، ثم رفع رأسه إلى سقفه فإذا مثل البرق، فلولا أن الله تعالى قدره لألم أن يذهب بصره، ثم طأطأ رأسه فنظر إلى أزواجه، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فنظر إلى تلك النعمة، ثم اتكأ فقال: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ثم ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبداً، وتقيمون فلا تظعنون أبداً، وتصحون فلا تمرضون) هكذا الحديث في ذكر الكرامة التي يقابل بها أهل الجنة.