هذه المسألة محل نزاع طويل عند علماء الأصول، والراجح: أنهم مطالبون بفروع الشريعة؛ وذلك لأنهم مطالبون اتفاقاً بأصول الشريعة، وأصول الشريعة هي التوحيد والإيمان، وأن شرع الله عز وجل طالب الناس جميعاً بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وطالبهم بالإسلام، ولذلك اتفق أهل العلم على أن اليهود والنصارى والكفار عموماً مطالبون بأصول الشريعة، وأن شرع الله عز وجل شرع عام للعالمين جميعاً لعالم الإنس مؤمنهم وكافرهم وعالم الجن مؤمنهم وكافرهم.
ووقع الخلاف في فروع الشريعة فيما يتعلق بالكفار هل هم مطالبون؟ قال بعض أهل العلم: ليسوا مطالبين بفروع الشريعة ولم يحققوا أصولها، فكيف يطالبون بالفرع ولم يحققوا الأصل؟ وقال جمهور الأصوليين والعلماء: هم مطالبون بفروع الشريعة وإن لم تقبل منهم إلا بعد أن يحققوا أصول الشريعة.
وهذا هو الرأي الراجح؛ ولذلك لما لجأ اليهودي واليهودية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي بينهما بكتاب الله عز وجل في حد الزنا قضى عليهما بالرجم، والعجيب أن عند اليهود في توراة موسى التي نزلت عليه -عليه السلام- أن حد الزنا للمحصن الرجم، ولكنهم أرادوا إخفاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففضحهم عبد الله بن سلام الحبر الأعظم من أحبار اليهود، فلما تليت التوراة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وضع القارئ من اليهود أصبعه على آية الرجم فقال عبد الله بن سلام:(يا رسول الله! مره فليرفع يده عن هذه الآية.
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يده فإذا تحتها الرجم)، وهذا يدل على اتفاق شريعة اليهود مع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام في أن من زنى وهو محصن فعليه الرجم، وقضى النبي عليه الصلاة والسلام في اليهودي واليهودية بالرجم قضاءً مبرماً في شرعنا.
وهذا يؤخذ منه: أن أهل الذمة إذا لجئوا إلى القاضي المسلم ليحكم بينهم وجب عليه أن يحكم بينهم بشرعنا لا بشرعهم.