[منهج الإمام النووي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع]
والإمام النووي عليه رحمة الله تبارك وتعالى كان شديد الإنكار والتنكر للبدع وأهلها، ولا يحابي في ذلك أحداً كائناً من كان، رائده في ذلك الإخلاص في طلب الحقيقة، فقد قال في الأذكار: اعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم: السكوت في حال السير مع الجنازة؛ لأنه في عهد الإمام النووي كانوا يصيحون ويكبّرون ويهللون خلف الجنازة، فالإمام النووي كان حرباً على البدع وأهلها، فلما رأى ذلك أنكره.
قال: فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، هذا هو الحق.
ثم يقول: ولا تغترن بكثرة من يخالفه- أي: يخالف هذا-فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين.
عليك بالذين اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله، وإن كان القائم على ذلك قلة من الناس وقلة من الخلق، فإن الحق لا يُعرف بكثرة الأتباع إنما يُعرف بصدق الاتباع.
قال: وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه.
وهو أيضاً موجود في بلادنا هذه، وكثيراً ما نسمع في الجنازات: لا إله إلا الله، وغير ذلك من الصيحات التي تعلو بين الفينة والفينة، فلا شك أن هذا كله من البدع، فحرام بإجماع العلماء.
ثم يقول: وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه، وقسط من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القراء، والله المستعان.
الإمام النووي له مؤلفات عظيمة جداً ألف في كل فن وفي كل علم، والله عز وجل قد كتب القبول لمؤلفاته ومصنفاته، وهذا القبول الذي كتبه الله تعالى لمصنفات الإمام في الأرض إنما هو بفضل الله أولاً ثم بإخلاص الإمام؛ ولذلك الإمام مالك عليه رحمة الله تبارك وتعالى حينما صنّف كتاب الموطأ قام الناس في المدينة كلهم يصنفون موطآت، وذلك حينما طلب الخليفة من الإمام مالك أن يؤلف كتاباً، ويوطئه توطئة، ويمهّده تمهيداً لأهل الإسلام حتى يوزعه في الأمصار، فقام كل الناس يقولون: نسارع فلعل موطآتنا تكون أحسن من موطأ الإمام مالك، فلما قيل للإمام مالك: إن الموطآت قد كثرت بالمدينة، قرأ قول الله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧].
قال: إن الله تعالى يذهب بهذه الموطآت ويبقي ما أريد به وجهه.
فهل تسمعون الآن عن موطأ غير موطأ الإمام مالك؟ فهناك موطآت كثيرة ومطبوعة ولكن لم يُكتب لها القبول والشهرة والانتفاع بها عند الناس إلا موطأ الإمام مالك.