للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الحد والتعزير]

قال: [حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو النعمان، الحكم بن عبد الله العجلي، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت إبراهيم يحدث عن خاله الأسود -وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي - عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث أبي الأحوص.

وقال في حديثه: (فقال معاذ: يا رسول الله! هذا لهذا خاصة - يعني: الكفارة هذه لهذا الرجل خاصة في هذا الموقف- أو لنا عامة؟ قال: بل لكم عامة).

وحدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا عمرو بن عاصم -وهو الكلابي القيسي أبو عثمان البصري - حدثنا همام -وهو ابن يحيى بن دينار - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أصبت حداً فأقمه علي.

قال: وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقم في كتاب الله، قال: هل حضرت الصلاة معنا؟ قال: نعم، قال: قد غفر لك)].

وهذا محمول على الصغائر لا الكبائر، لأن الكبيرة تستوجب الحد، وليس في مقدور النبي عليه الصلاة والسلام ألا يقيم الحد، والحدود والتعزيرات بينهما فوارق: منها: أنه للسلطان أن يتنازل عن الحد في الكبيرة، بخلاف التعزير، فإنه متروك لاجتهاد القاضي، أو الحاكم أو الأمير أو السيد أو الزعيم أو المسئول، والتعزير يكون باللوم وبالتوبيخ وبالسب، وبالمثلة، كأن يحلق شعره، ولا حد في أقل من عشر، كما أنه لا تعزير في أكثر من عشر، فللحاكم أن يعزر بالجلد، فيجلد جلدتين وثلاثاً وسبعاً وعشراً، ولا يزيد على ذلك إلا في حد من حدود الله، ولذلك جعل الله تعزير المرأة أولاً بالوعظ، ثم باللوم والتوبيخ والهجر، ثم الضرب غير المبرح.

قال: [حدثنا نصر بن علي الجهضمي وزهير بن حرب -واللفظ لـ زهير - قالا: حدثنا عمر بن يونس -وهو ابن قاسم اليمامي - حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا شداد، حدثنا أبو أمامة قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعود معه، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً)].

أي: ذنباً عظيماً وليس ما يستوجب حداً، وربما فهم الرجل أن هذا العمل فيه حد، فلما أطلع النبي على ما فعل علم أنه ليس حداً يستوجب إقامة الحد عليه.

[قال: (إني أصبت حداً فأقمه علي، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي، فسكت عنه، وأقيمت الصلاة)].

وهذا يذكرني بذاك المدني الذي أتى وقال: (يا رسول الله! هلك الأبعد، قال: وما أهلكه؟ قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان)، مع أن وطء المرأة في نهار رمضان ليس فيه حد، ومع هذا قال: هلك.

وقال: الأبعد، أي: يدعو على نفسه.

فقال عليه الصلاة والسلام: (وما أهلكه؟ أي: ماذا عمل؟ قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان، قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي رقبة، قال: اذهب فصم ستين يوماً، قال: وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام؟ فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: كيف وقعت بها؟ قال: رأيت خلخالها، ثم قال: اذهب فأطعم ستين مسكيناً، قال: ليس عندي ما أطعمه، قال: انتظر، فانتظر حتى أتي بتمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال: اذهب فأطعم ستين مسكيناً، قال: والله يا رسول الله! لا تجد بين لابتيها -أي: بين جبليها، فقد كانت المدينة في وادي أو في سهل بين جبلين عظيمين- أفقر مني ومن أهل بيتي، قال: اذهب فاجعله فيك وفي أهل بيتك).

قال: [(وأقيمت الصلاة، فلما انصرف نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة: فاتبع الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف، واتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر ما يرد على الرجل)].

انظر إلى الحرص على طلب العلم، فقد مشى الرجل والنبي عليه الصلاة والسلام وأبو أمامة وراءهم من أجل أن يعرف رد النبي في هذه القضية.

قال: [(فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي، قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: ثم شهدت الصلاة معنا؟ فقال: نعم يا رسول الله! قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد غفر لك حدك، أو قال: ذنبك)]، وهذا شك من الراوي، والصواب: (فإن الل