قال: [عن عبد الله بن عمر أن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله! ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ -يعني: كثير من أصحابك حل بعد أن أدى العمرة وأنت اعتمرت معهم ولكنك لم تحلل- قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)] أي: الذبح يكون يوم النحر.
وقد عرفنا معنى تلبيد الرأس في الدروس الماضية، ثم قال:(وقلدت هديي) وتقليد الهدي: إشعار الهدي وسوقه من الميقات مقلداً مشعراً، وسوق الهدي من الميقات يكون للقارن، أما المتمتع فإنه يأخذ هديه من أي مكان: من منى، من عرفة، من مزدلفة، من مكة، من أي مكان، ولا يلزمه أن يسوقه، فإن ساقه صار قارناً.
وإذا ساق الهدي من الميقات يسن أن يكون هذا الهدي مشعراً في خده الأيمن أو في صفحة وجهه اليمنى، وأن يكون مقلداً في قدمه، إما بلبس نعل أو لبس جلد في قدمه، أو إحاطة القدم بحبل أو شيء يميزه.
ومعنى إشعار الهدي في صفحة وجهه اليمنى: جرح الهدي في جانبه الأيمن أو في أذنه حتى يعلم من نظر إلى هذا الهدي أنه هدي، وأنه ليس بلقطة، وإذا التقطه يلزمه أن ينادي عليه؛ لأن هذا أوقف لله عز وجل، وهذا معنى الإشعار.
فالإشعار: هو قيام العلامة والدليل والأمارة في وجه الهدي، يجرحه في صفحة خده الأيمن أو بوضع علامة في أذنه اليمنى أو غير ذلك.
وتقليده بمعنى: تقييد قدمه بشيء، أي: وضع علامة في قدمه، إما خيط يميزه أو حبل أو لبس نعل من الجلد وغير ذلك، حتى إذا نظر إليه ناظر عرف أن هذه البقرة أو أن هذا البعير أو أن هذه الشاة إنما أوقفت لله عز وجل، فالذي يأخذها يحترم نفسه ويرجعها بسرعة؛ لأنه رزق حرام.
قال:(إني لبدت رأسي وقلدت هديي -أي: سقت هديي من الميقات- فلا أحل حتى أنحر) وهذا الحديث دليل على المذهب الصحيح المختار الذي قدمناه واضحاً بدلائله في الأبواب السابقة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجة الوداع.
وفي رواية: قال لها: (فلا أحل حتى أحل من الحج)، وقالت حفصة رضي الله عنها:(إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع.
قالت حفصة: فقلت: ما يمنعك أن تحل أنت كذلك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي).