[شرح حديث أنس بن مالك في صلح الحديبية]
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان -وهو ابن مسلم الصفار - حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت -وهو ابن أسلم البناني - عن أنس: (أن قريشاً صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو)].
أي: الذي كان يتزعَم قريش في ذلك الوقت هو سهيل بن عمرو.
قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال سهيل: أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب: باسمك اللهم)] حتى نخرج من الخلاف.
واليهود في المدينة كانوا يعظّمون اسم الرحمن، أما المشركون في مكة فما كانوا يعرفون الرحمن ولا الرحيم، إنما كانوا يعرفون (باسم الله) أو (باسمك اللهم)؛ ولذلك حينما دخل النبي عليه الصلاة والسلام المدينة وسمع به عبد الله بن سلام أتاه وقال: (يا محمد! إني سائلك ثلاثة أسئلة لا يعرفها إلا نبي أو رجل أو رجلان) أي: فإن أجبت فأنت نبي.
فكان السؤال الأول هو: (ما أول طعام أهل الجنة؟) والسؤال الثاني: (ما أول أشراط الساعة؟) والسؤال الثالث: (كيف ينزع الولد؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما أول أشراط الساعة فنار تخرج من اليمن تحشر الناس إلى الشام، وإذا غلب ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه) أي: إذا سبق في الإنزال والقذف ماء الرجل ماء المرأة وافق الولد لأبيه، أي: في الذكورة أو في الشبه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إليها.
أي: في الأنوثة أو في الشبه.
قال: (أشهد أنك نبي، وقال: يا عبد الله بن سلام! أرأيت ما قد أجبتك لم يكن لي به علم، فلما سألتني نزل جبريل فأخبرني.
قال: أو الذي ينزل عليك من السماء هو جبريل يا رسول الله؟! قال: نعم.
قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة) فاليهود كانوا يعادون جبريل، فلما أسلم عبد الله قال: (يا رسول الله! ادع اليهود وسلهم عني قبل أن تخبرهم بإسلامي، فدعاهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: هو سيدنا وابن سيدنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، وعالمنا وابن عالمنا وصاروا يمدحونه، فخرج عليهم عبد الله بن سلام من خلف الخباء قال: فإني آمنت بالله ورسوله.
قالوا: أنت سفيهنا وابن سفيهنا، وحقيرنا وابن حقيرنا).
فاليهود أقذر خلق الله في كل زمان ومكان.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه له أرض في عوالي المدينة، وذات يوم ذهب إلى أرضه فطمِع فيه يهود بني النضير.
قالوا: يا عمر! لو كان ينزل على صاحبك غير جبريل لاتبعناه، فاذهب إليه واجعله يغيّر جبريل أو ينظر غيره من الملائكة.
قال لهم عمر: أي يمين فيكم أعظم؟ يعني: بماذا أحلف لكم حتى تصدقوني؟ قالوا: الرحمن؛ لأنهم يطمعون في الجنة، والرحمن من الرحمة.
فلما قالوا: الرحمن قال: والرحمن.
والشاهد: أن اليهود كانوا يعظّمون الرحمن، والله تعالى يقول: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].
قال: [فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
قال سهيل: أما باسم الله، فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم؟ ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم، فقال: النبي عليه الصلاة والسلام: اكتب: من محمد رسول الله.
قالوا: لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اكتب: من محمد بن عبد الله.
فاشترطوا على النبي عليه الصلاة والسلام أن من جاء منكم لم نرده عليكم -أي: الذي يأتينا من طرفك يا محمد! لا نرده- ومن جاءكم منا رددتموه علينا.
فقالوا: يا رسول الله! أنكتب هذا؟ فقال: نعم.
إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله)] أي: من يريد أن يكفر فليكفر، وهذا موقف عظيم جداً من مواقف التربية على الإيمان والعقيدة، فالذي يريد أن يخرج من المسلمين ليتنصر أو يصبح يهودياً فلا مرحباً به، فليذهب حيث شاء: (أبعده الله) وهذا دعاء عليه، وهل بعد أن يترك دينه ويرتد على عقبيه ويختار الكفر على الإيمان بعد عن الله؟ فلو كان بين أيدينا لأقمنا عليه حد الردة: (من بدّل دينه فاقتلوه) أما إذا غافل المسلمين وخرج من بينهم إلى بلاد الكفر فأبعده الله عز وجل، والحدود لا يقيمها إلا الحاكم.
ثم في الصحيح أن خباب بن الأرت أتى النبي صلى الله عليه وسلم -وكان ذلك في مكة قبل الهجرة، وقد نزل به وبأصحابه من المشركين أذى كثيراً- فقال