[شرح حديث أبي هريرة: (سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا)]
[حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال المدني عن سهيل بن أبي صالح المدني عن أبيه وهو أبو صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر)] وأسحر أي: بلغ وقت السحر، إما نام وقام وإما سار بالليل حتى وقت السحر.
يعني: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في سفر فنام من ليله ثم قام في وقت السحر الذي هو لون الفجر أو أنه سار بالليل، والمعلوم المسنون هو السفر بالليل، ولا يمنع أن يكون السفر بالنهار، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام إنما سن وفضل السفر بالليل لا بالنهار، على خلاف عادة الناس، وعلى خلاف ما يحب الناس الآن، فإنهم يحبون أن يسافروا في الصباح، حيث الضوء وكشف الطريق وغير ذلك، وحتى يأمنوا الحوادث بالليل.
ولكن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن الأرض تطوى بالليل دون النهار، وربنا الذي يعرف ذلك، ونحن قد آمنا بأن الأرض تطوى بالليل، أليست الأرض والسماوات في قبضة الملك سبحانه وتعالى؟ والله يستطيع أن يكور السماوات والأرض، ولا يمنع القادر على أن يكور السماوات والأرض، بل هو القادر على ما هو أعظم من ذلك، وهو قادر على كل شيء سبحانه وتعالى أن يضم الأرض بعضها إلى بعض فتقصر المسافة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأرض تطوى بالليل، وتقصر، والمسافر بالليل لا يجد عناء السفر بالنهار، والسفر بالليل أحب إلى قلبي من السفر بالنهار، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل) والدلوج هو الانطلاق في السير في أول الليل، وإذا أدلج على هذا النحو بلغ هدفه.
وكان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه يسافر بالليل، ويقطع طريقه في أول الليل، فإذا تعبت دابته استراح، فربما نام وربما استراح شيئاً يسيراً يصلي فيه ثم ينطلق حتى يسحر.
فهنا قال: (كان إذا كان في سفر وأسحر) أي: بلغ وقت السحر إما ماشياً وإما بعد نومه.
قال: [(سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار)] وسمع بمعنى شهد وإما سمع أي: أخبر مخبر عن الله عز وجل أن الله تعالى يسمع حمد من حمده وشكر من شكره على حسن بلائه الذي نزل به.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (ربنا صاحبنا وأفضل علينا).
ومعنى صاحبنا أي: احفظنا وأحطنا واكلأنا وأفضل علينا بجزيل نعمك، واصرف عنا كل مكروه.
كما أنك تقول: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في المال والأهل.
(اللهم أنت الصاحب) يعني: أنت الحافظ، وأنت المعين، وأنت الميسر، وأنت المتفضل، وأنت المحيط بنا، الذي تكلؤنا.
قال: [(عائذاً بالله من النار)] أي: أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله تعالى أن أعذب بالنار.