للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أنس في ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة إلى عبد الله بن أبي]

قال: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى القيسي حدثنا المعتمر -وهو ابن سليمان بن طرخان التيمي - عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أُبي؟ قال: فانطلق إليه).

وهذه وقفة تربوية الناس يقولوا للنبي عليه الصلاة والسلام: لو تذهب إلى عبد الله بن أبي! ومن يكون عبد الله بن أبي هذا حتى يذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليه؟ فهو يأتي -وهو أقل من ذلك- للنبي عليه الصلاة والسلام.

أليس الوضيع يذهب إلى الشريف؟ فعندما يذهب الوضيع للشريف فإنه يزداد بذلك شرفاً، ويرتفع عنه شيء من وضاعته، لكن لو ذهب الشريف إلى الوضيع فهذا شرف عظيم جداً للوضيع وليس فيه أدنى شرف للشريف، اللهم إلا التواضع.

لكن انظروا إلى هذا القول قال: (فانطلق) ولم يقل: (فذهب إليه)، كأن النبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يذهب، فانطلق مسرعاً إليه.

ولو أن هناك أخاً متخاصماً مع أخيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) فقد يقول واحد منهما: اذهب وقل له بأن يكون هو أخير مني ويأتيني إلى هنا! والله يا إخواني! ما هو إلا نوع من أنواع الجاهلية أن تسمع كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تُعرض عنه نصاً ومعنى، فينبغي أن تُسارع في تطبيق كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسك، وهذا باب عظيم من أبواب تأديب النفس وتهذيبها، إذا سمعت كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم قل: سمعاً وطاعة.

فإذا أمرني الله بهذا والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا به فيجب أن أنسى نفسي وأهضم نفسي تماماً، فمن أنا حتى أقول: لا.

هو الذي يأتيني؟! إذاً: هو سيأتيك فهو خير منك؛ لأنه سمع كلام الله عز وجل وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فعل ذلك إلا طلباً للخيرية، فكل منكما أولى؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم بيّن فقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فيلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا -فهذا الإعراض من الشيطان- وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) هذا من الرحمن تبارك وتعالى، حرب بين الخير والشر، بين الطاعة والمعصية.

أكبر من ذلك: أن اثنين يكونان من أصحاب الوجاهة ولنفرض أنهما من الدعاة، هذا عند العامة من الدعاة والعلماء، وذاك عند العامة من الدعاة والعلماء، ولو قلت لواحد منهما: اذهب إليه وناقشه في مسائل الخلاف، يقول لك: أنا أذهب إليه؟ هذا مستحيل ولا يمكن أن أذهب إليه! قال: [(فانطلق إليه وركب حماراً وانطلق المسلمون)] أي: جمهرة من الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام يذهبون إلى بيت عبد الله بن أُبي قال: [(وهي أرض سبخة -المدينة- فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني)] وانظر إلى هذا الجفاء! تصور بعد كل التواضع والحرص يقول له: ابعد عني.

قال: [(إليك عني! فوالله لقد آذاني نتن حمارك)].

وهذا شيء يجعل الشخص يفقد شعوره؛ ولذلك قال رجل من الأنصار: [(والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك.

قال: فغضب لـ عبد الله رجل من قومه.

قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه.

قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال)].

هل هذه عصبية جاهلية أم شرعية؟ في حق الصحابة عصبية شرعية، يقاتلون ويدافعون عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا واجب عليهم شرعاً.

قال: [(فبلغنا أنها نزلت فيهم: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩])].