[شرح حديث مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب وأمره بقتال بني قريظة]
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني كلاهما عن ابن نمير] وابن نمير هو عبد الله وليس محمد بن عبد الله؛ لأن ابن نمير يُطلق على الوالد وعلى الولد، فالوالد عبد الله بن نمير والولد هو محمد بن عبد الله بن نمير وكلاهما يقال له: ابن نمير، فإذا كان في طبقة شيوخ مسلم فهو الولد محمد، وإذا كان في طبقة شيوخ شيوخ مسلم فهو الوالد عبد الله.
[قال ابن العلاء -أي: محمد بن العلاء الهمداني: حدثنا ابن نمير حدثنا هشام عن أبيه، وهو هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه -أي: عن عروة بن الزبير - عن عائشة]، عروة بن الزبير عائشة بالنسبة له خالته.
قال: [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أصيب سعد يوم الخندق -أي: سعد بن معاذ الأوسي يوم الخندق- رماه رجل من قريش يقال له: ابن العرقة).
حِبّان بكسر الحاء رجل من قريش ابن امرأة يقال لها: العرقة.
والعرقة: هي المرأة الطيبة الرائحة، فكانت هذه المرأة تُكثر من الطيب، ولذلك لُقّبت بالعرقة.
وفي هذا: جواز أن يُنسب الرجل إلى أمه، وقد استقر في أذهان العامة أن الناس يُنادون بأسماء أمهاتهم يوم القيامة، وهو ليس كذلك.
والصواب: أن الرجل ينادى باسمه واسم أبيه.
أما جواز أن يُنسب الرجل إلى أمه، أو أن يُنادى ويُعرف بأمه، فهذا أمر يعرفه القاصي والداني، فـ ابن علية من المحدثين الكبار، وممن روى له البخاري ومسلم، وعليّة أمه، ولم ير المحدثون حرجاً في أن ينادوه ويسمونها فيقولون: حدثنا ابن عُليّة وأخبرنا ابن عُليّة؛ وذلك لأن نسبته إلى أمه صارت علماً عليه، فهم يقولون: حدثنا ابن عُليّة من باب التمييز له عن غيره ممن تسمى باسمه في نفس الطبقة؛ لأنهم لو قالوا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم فهناك في نفس الطبقة إسماعيل بن إبراهيم، فيقولون: ابن عُليّة تمييزاً، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الضبي.
وكان إسماعيل هذا يقول: من قال عني: ابن عُليّة لا أُجيزه على الصراط.
أي: أنه كان يكره ذلك، لكن كان العلماء يقولون: ابن عُليّة مع هذا التحذير الشديد، وليس من باب التعيير ولا التنابز بالألقاب، ولكن من باب التمييز له عن غيره، ومن باب النصيحة في الدين، فكانوا يفعلون ذلك.
أما الشافعي فكان يهرب من هذا وذاك ويقول: حدثنا إسماعيل الذي يقال عنه: ابن عُليّة، أي: أنه لا يلقبه هو وإنما كان يسمع الناس يقولون عنه ذلك.
[قالت عائشة: (أُصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له: ابن العرقة، رماه في الأكحل -أي: أصابه في أكحل اليد، وهو العرق المتشعّب في اليد- فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب)] أي: أنه حينما أُصيب سعد في غزوة الخندق.
أقام النبي صلى الله عليه وسلم خيمة له في مسجده حتى يتسنى للنبي صلى الله عليه وسلم زيارته بين الحين والحين، ويكون قريباً منه، وأنتم تعلمون أن بيوت النبي كانت في مسجده عليه الصلاة والسلام، فكان يسهل عليه أن يزور الجرحى، وعلى رأس الجرحى سعد بن معاذ.
وفي هذا رسالة جديدة للمسجد وهو تطبيب المرضى ومداواة الجرحى، وغير ذلك مما هو أساس في رسالة المسجد في مجتمع الإسلام، فالمسجد ليس للصلاة فحسب، بل الصلاة هي أعظم نُسك يؤدى في المسجد ولأجلها بنيت المساجد، لكن كان الحبشة يلعبون في المسجد، والنبي ينظر إليهم عليه الصلاة والسلام، وعائشة تنظر إليهم وإلى لعبهم بغير نكير من الصحابة، ولا يحل لأحد أن يُنكر مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ورسالات المسجد قد صُنّفت فيها رسائل كثيرة، وأعظمها رسالة الشيخ جمال الدين القاسمي في مجلد كبير ذكر فيه رسالة المسجد في الإسلام، فمن أراد الرجوع إليها فليرجع.
قال: [(فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح)]؛ وذلك لأن الحرب وضعت أوزارها وانتهت، فكل إنسان معه سلاح وهو راجع من الغزو من الطبيعي جداً أن يضع السلاح ويخلع لأمته ويغتسل، ويلبس ملابس أخرى.
قال: [(فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام