للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إلام يجلد أحدكم امرأته)]

[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب قالا: حدثنا ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن أبي زمعة -كنيته أبو زمعة - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم -: ({إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:١٢].

انبعث فيها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة)].

النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن الذي قتل الناقة كان رجلاً عارماً منيعاً في قومه وهو رجل عزيز في أهله مثل أبي زمعة، النبي صلى الله عليه وسلم يشبه أبا زمعة بهذا الشقي الذي انبعث فقتل الناقة، فالشقي الذي انبعث فقتل ناقة صالح كان عارماً عزيزاً منيعاً ذو مكانة ووجاهة في قومه مثل أبي زمعة، وليس معنى ذلك أنه شبه أبا زمعة بذلك الشقي.

[ثم ذكر النساء فوعظ فيهن ثم قال: (إلام يجلد أحدكم امرأته)].

يعني: لماذا يجلد أحدكم امرأته؟ قال: [(جلد الأمة).

وفي رواية: (جلد العبد، ولعله يضاجعها من آخر يومه).

ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال: (إلام يضحك أحدكم مما يفعل)].

قوله في هذا الحديث: (إلام يجلد أحدكم امرأته؟) يعني: لماذا يضربها كما يضرب أحدكم عبده أو أمته؟ فلعله يحتاجها في الليل للجماع والفراش، فإذا احتاجها وقد ضربها بالنهار فكيف يطلبها في الفراش؟! فالذي يفعل ذلك أشبه بالحيوانات، بل الحيوانات أفضل منه، فالحيوان إذا أراد الوقوع في أنثى وكان بينهما من الخلاف والمشاجرة والرفض وغير ذلك هو يعرف أنه لا يمكن مع هذا الجو المكهرب أن ينال مراده، ولذلك هو لا يطلبها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يجلدها جلد العبد والأمة ثم يطلبها في الليل).

وهذا شيء بعيد جداً حتى نفسياً، أمر لا يمكن تحصيله، ومن حصله مع هذا الجو لابد أنه قد فقد كل إحساسه.

ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إلام يضحك أحدكم مما يفعل) أي: من الضرطة.

وهي: خروج الهواء من الدبر بصوت، فإذا فعل الواحد شيئاً من ذلك أو فعل في حضرة قوم كان له من التعليقات الباردة السخيفة بالقول أو الفعل، وهذا في الحقيقة من سوء الأدب، والمطلوب أن الواحد إذا سمع شيئاً من ذلك من صاحبه أن يتغافل عنه، ويعتبر أن ذلك شيء لم يكن، ويزعم أنه لم يسمع شيئاً؛ حتى وإن سئل يجيب بأنه لم يسمع شيئاً، وهذا من الخلق الكريم، وصاحب الخلق الكريم لا يتوقف عند هذه التفاهات، وقد يخيل إليه أنه سمع شيئاً حتى يعلق تلك التعليقات السخيفة الباردة، وفي النهاية يتبين أن صاحبه لم يفعل شيئاً.

وفي إيطاليا سنة (٨٧م) علمت أن من صفات هذا الشعب أنهم يفعلون ذلك بغير أدنى حرج في المواصلات العامة، وفي الشوارع والطرقات وفي كل مكان رجالاً ونساءً بدون أن يعلق واحد منهم شيئاً على الآخر، والمصريون كذلك تعلموها منهم، مع أننا لنا أخلاق وآداب تختلف عنهم، ينبغي أن نتأدب بها، ولا ينبغي أن نتكلف هذا الفعل تكلفاً ونتعمده من أجل أن نثبت للناس أننا إيطاليون.