في هذه الأحاديث: بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن خطره عظيم، وغدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين.
وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر، ولا شك أن الفقير الكذّاب مبغض عند الله، والذي هو أشد منه بغضاً: الملك الكذّاب؛ لأنه ليس في حاجة إلى الكذب.
كذلك الكبر من الغني مبغض، لكنه يكون أشد بغضاً من الفقير.
وكذلك الغادر إذا كان صاحب ولاية عامة فغدره أشد بغضاً وعقوبة وإثماً من الذي لا يتعدى ضرره إلى الآخرين، والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر.
أي: إمام العامة.
لكن القاضي عياض ذكر احتمالين.
قال:(أحدهما: أن هذا الحديث ورد في ذم الغادر من الأئمة الغادرين، وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته وللكفار وغيرهم، أو غدره للأمانة التي تقلدها لرعيته والتزم القيام بها، والمحافظة عليها، ومتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم أو الرفق بهم فقد غدر بعهده).
أي حينما يُعَيَّن فلان من الناس والياً أو رئيساً أو زعيماً أو غير ذلك فمن الطبيعي أنهم يضعون يده على المصحف ويقولون: احلف باليمين الدستوري أقسم بالله أقسم بالله أقسم بالله أن أعمل بكتاب الله، وبسنة رسول الله، وأن أرعى مصالح الأمة، ومصالح الشعب -أخذوا كأنه شيء عادي بلادي بلادي، لكِ حبي وفؤادي- وقبل أن يخرج من المجلس يكون قد غدر بالكتاب، والسنة، والأمة.
أليس هذا بغدر؟ بلى.
انظروا إلى الأحكام الشرعية والمصطلحات الشرعية أصبحت محل استهزاء الناس.
قال:(والاحتمال الثاني: أن يكون المراد: نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا يشقوا عليه العصا ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه).