للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أبي هريرة في الوفاء بالبيعة للإمام الأول فالأول]

قال: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر - ابن بشار لقبه بندار، وابن جعفر لقبه غندر، وغندر أي: مشاغب-حدثنا شعبة عن فرات القزاز -وفرات هو ابن أبي عبد الرحمن تميمي كوفي- قال: عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين] أبو حازم الذي يروي عن أبي هريرة في طبقة التابعين هو سلمان مولى عزة، وأبو حازم الذي يروي عن سهل بن سعد الساعدي في نفس الطبقة من طبقات التابعين هو سلمة بن دينار، وكثير من الناس يهم بين الاثنين.

الكنية أبو حازم، وأحدهما: يروي عن أبي هريرة وهو سلمان مولى عزة.

والثاني: يروي عن سهل بن سعد وهو سلمة بن دينار.

قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين].

ومعنى قاعدت.

أي: جالسته، تلقى على يديه العلم خمس سنوات.

[فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي)].

أعظم أمة على وجه الأرض أرسل الله تعالى إليهم أنبياء هم بنو إسرائيل، ليس هذا لفضلهم ولا لمكانتهم، بل هذا لكفرهم وعنادهم، إذ أقام الله تعالى عليهم الحجة لكثرة بعث الأنبياء والمرسلين؛ حتى لا يظن بنو إسرائيل أن هذا من باب الشرف لهم، وإنما هذا لعلم الله تعالى الأزلي فيهم أنهم أهل جحود وأهل غدر، وما نجا منهم نبي من الأنبياء، فقتلوا البعض وسبّوا البعض، ونشّروا البعض، وغير ذلك مما كان من بني إسرائيل مع أنبيائهم.

قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي).

وفي هذا: جواز أن يقول الرجل عن الميت: هلك.

وهلك بمعنى: مات.

وإذا كان الهلاك يصح إطلاقه على موت الأنبياء، فمن باب أولى يصح إطلاقه على من دونهم، كلما مات نبي خلفه أرسل الله تعالى إليهم نبياً آخر، ولا يفهمن أحد من هذا النص أن النبوة بالاستخلاف، كالذين تربوا في أمريكا على يدي رشاد رشدي وغيرهم من الملاحدة يفهمون من هذا النص أن النبوة بالاكتساب والاستخلاف، ويعتمدون على ظواهر بعض النصوص ومنها هذا النص: (كلما هلك نبي خلفه آخر) أي أخلفه الله تعالى بآخر، ولم يُخلف هو غيره.

وما سمعنا أن أحداً قط قال بأن النبوة مكتسبة إلا أصحاب العقائد المنحرفة.

قال عليه الصلاة والسلام: [(وإنه لا نبي بعدي)].

إن أحد المنحرفين المصريين كان دكتوراً في كلية الزراعة جامعة الزقازيق، سافر إلى أميركا وغيّر بطاقته الشخصية وسمى نفسه (لا) في البطاقة، ثم بعد مدة من الزمان ادعى النبوة، فلما نوفس في ذلك وقال له المناظر: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نبي بعدي) قال: وأنا (لا) فالنبي قد بشّر بأني نبي من بعده، ثم غيّر اسمه بعد فترة من هذه المناقشة وادعى الإلهية.

ومعلوم أنه ما من ساقطة في الأرض إلا ولها لاقطة، فقد تبعه على هذه الدعوة الفاسدة الباطلة أحمد صبحي منصور، وأنتم تقرءون له في الأهرام والأخبار دائماً، ظهر ليساند الإله الجديد، فإنه أول ما ادعى رشاد رشدي النبوة ذهب إليه هناك، وكان بينهم من الاتفاق ما يؤهل إلى أن يكون رشاد رشدي إلهاً، وأن يكون أحمد صبحي منصور نبي ذلك الزمان، فلما حدثت بينهما الخصومة والخلاف فضح كل منهما الآخر، فهلك رشاد رشدي ورجع أحمد صبحي منصور إلى مصر بخفي حنين، لم تثبت له النبوة ولم تثبت له الإلهية، وثبتت له القدم الراسخة في الإلحاد والإجرام، فصار يطعن في ثوابت الإسلام في الليل والنهار على صفحات الجرائد.

قال: [(كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر)] أي: لا نبي بعدي، ولكن يقوم بمهمة النبي في سيادة أمور الناس خلفاء، وهؤلاء الخلفاء كثرة كاثرة، كلما هلك خليفة أو عزل لكفره جاء غيره؛ لأن الإمام إذا كفر وجب عزله وتنصيب غيره.

قال: [(وستكون خلفاء فتكثر.

قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟! قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم)] (فوا) من الوفاء.

أي: يجب عليكم أن تفوا ببيعة الأول، ولا تبايعوا من ظهر في وجود الإمام الأول، فإنما البيعة تُعقد لإمام واحد، وهذا الإمام يعين الولاة والأمراء من باطنه، فتجب طاعة الولاة والأمراء والسلاطين في شتى أصقاع بلاد المسلمين؛ نظراً لوجوب طاعتهم للإمام العام، فإذا كان الخليفة مثلاً في تركيا أو في العراق أو في المدينة أو في مصر أو في المغرب، فيجب عليه أن يعيّن ولاة على كل بقاع المسلمين: ولاة للصلاة، ولاة للجهاد، ولاة للسياسة، ولاة للقضاء، وغير ذلك مما يصلح