للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري)]

[حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي -وهو معاذ العنبري - حدثنا شعبة عن أبي إسحاق وهو السبيعي عن أبي بردة -وهو ابن أبي موسى الأشعري - عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء]، وهذا دعاء عام ليس مخصوصاً بوقت دون وقت، وإنما هذا من الأدعية العامة.

يقول: [(اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي)].

وأهل اللغة يفرقون بين الخطأ والخطيئة، فيقولون: الخطيئة للذنب العظيم، كما في قول الله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:٢٥] ولم يقل: من خطاياهم، أو من خطئهم، وإنما قال: (خَطِيئَاتِهِمْ) فالخطيئة بمعنى الذنب العظيم.

والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرتكب ذنباً عظيماً، وإنما عد النبي عليه الصلاة والسلام عدم بعض الكمال والتمام في حقه ذنباً عظيماً، كما تقول الصوفية: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

يعني: حسنات قوم هي عند قوم سيئات.

ونحن لا نقول بهذا القول، لكن أردت بأن أقرب المعنى.

والنبي عليه الصلاة والسلام قد وقع في هفوة أو في شيء من هذا كقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:١]، والعبوس لو صدر من واحد منا لا حرج عليه، وهو باب من أبواب سوء الخلق وانتهت القضية على هذا، ولو قابلتك وقلت لك: سامحني ما كنت أعرفك، والذي لا يعرفك لا يقدرك، أو كلام من هذا، انتهت القضية.

لكن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر هذا في حق نفسه كبيرة من الكبائر، مع أنها ليست كبيرة، ولكنها هفوة وزلة صغيرة استغفر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الفارق بيننا وبين الأنبياء، أن الواحد منا يقع في الذنب ولا يعقبه بتوبة، وربما يقع في كبيرة أو كبائر ولا يعقبها بتوبة، بخلاف الأنبياء يقعون في اللمم ثم سرعان ما ينتبهون فيعودون إلى الله عز وجل ويستغفرونه ويتوبون مما بلغ منهم، وهذا فارق عظيم جداً ليس بالأمر الهين.

فهكذا النبي عليه الصلاة والسلام اعتبر أن ما بدر منه من هفوات هي خطيئات مع أنها خطايا، وذنوب صغيرة.

وفي الحديث عند البخاري وكذا مسلم: (أن المؤمن يعد ذنبه كالجبل).

يعني: المؤمن يعتبر ذنبه الصغير كالجبل وهو واقف تحته يخشى أن ينهار عليه.

أما الفاجر فإن كبائر الذنوب عنده ليست إلا كذبابة وقعت على أنفه فقال بها هكذا فطارت.

يعني: أشار إليها بيده ثم طارت بعد ذلك؛ لأنه مستهتر ومستهين.

إذا كان هذا في حق المؤمن والفاجر، فما بالكم إذا كان المؤمنون في صعيد والنبي عليه الصلاة والسلام في صعيد آخر يعتبر أن أقل ما يمكن أن يلام فيه أنه خطيئة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا إلا كما يفعله أقرب المقربين الأتقياء.

تصور لو دخل علينا رجل نعرف عنه الفساد والضلال، وهو زعيم قوم أو أمير قوم، ودخل وهو يضرب به المثل في الضلال، فأنا أرجو الخير له أن يدخل في الإسلام إن كان كافراً أو غير ذلك، وسأترك الدرس وأجلس أتكلم معه، ولو كلمني أحدكم أو كلكم.

وهكذا.

لما دخل أشراف قريش على النبي عليه الصلاة والسلام يناقشونه ويجادلونه فأتاهم ابن أم مكتوم رجل أعمى رضي الله عنه ولكنه مؤمن، وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم حاجة، وسؤال، فلما دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يكلم أشراف قريش آثر استمرار الكلام معهم وتأخير ابن أم مكتوم، فأنزل الله عز وجل فيه العتاب كما في قوله: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٢٨].

يعني: لا تصرف بصرك ووجهك وقلبك يا محمد عن أصحابك مهما كانوا فقراء، أذلة، ضعفاء، قلة، ولا تغتر بأشراف القوم، فإنهم لا خير فيهم.

فهو مجرد عتاب، ولكن تصور أن هذا العتاب واللوم البسيط اعتبره النبي عليه الصلاة والسلام كالجبل من المعاصي، فيقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي).

والجهل ضد الحلم لا العلم، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج من بيته: (اللهم إني أعوذ بك أن أجهل أو يجهل علي).

يعني: أن أنتقم لنفسي، أو أثأر لنفسي، (أو يجهل علي).

يعني: أعوذ بك أن تسلط علي رجلاً غليظاً لا رحمة عنده ولا حلم، فالجهل هنا ضد الحلم وليس هو الذي يقابل العلم.

(اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري).

هو لم يسرف عليه الصلاة والسلام، لكن هذا أدب الدعاء، وما دمت تدعو الإله سبحانه وتعالى فيستحب لك أن تبين له أنك في منتهى الذل بين يديه، وأن تعد الصغائر بين يديه كبائر، لا أن تقول: يا رب! أنا لم أفعل شيئاً، والحمد لله، لا سرقت ولا زنيت ولا قتلت ولا، ولا، ولا وتعد الكبائر التي صنفها الذهبي وتقول الحكاية كلها بعض الصغائر كالشتم، والسب، وهوى الشيطان، هذه أمور بسيطة تتعالج.

لا.

أنا أريدك أن تعد الذنب وإن صغر كبيرة من