وأما قوله صلى الله عليه وسلم:(وإذا لقيتموهم فاصبروا) فهذا حث على الصبر في القتال، وهو آكد أركان القتال.
فأهم شيء في القتال: الصبر؛ لأن بريق السيوف فتنته عظيمة جداً، ولو أيقن المرء أنه لا يصاب من هذا السيف إلا كما يشعر أحدنا بوخز الإبرة لصبر، لكن بريق السيف فتنة في حد ذاته.
ولذلك سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال الناس يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال عليه الصلاة والسلام:(كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) أي: فوق رأسه فتنة، وقد أغناه ذلك عن أن يفتن في قبره على يد منكر ونكير.
وقد جمع الله سبحانه آداب القتال في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}[الأنفال:٤٥] والثبات بمعنى: الصبر {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأنفال:٤٥ - ٤٦] أطيعوا الله ورسوله خاصة في موطن القتال، وموطن المواجهة واللقاء، فلو أن قائد الجيش قال: قاتلوا يمنة، فتقول: لا لا، نحن لا نرى أن القتال يمنة بل نقاتل يسرة.
يقول: تقدموا.
نقول: تأخرنا.
تأخروا تقول: تقدمنا.
إذا كان الأمر كذلك فإنه لا يمكن أبداً لهذا الجيش أن يكتب له النصر ولا النجاح، بل لا بد أن يسمع كلام القائد، وإن بدا أن كلام القائد غير صحيح فلا أقل من أنه معذور في ذلك بلا نزاع، حتى وإن كان كلامه في عين الحقيقة ليس كلاماً سديداً، ولكنه بذل وسعه واجتهد رأيه في إقامة الحق، فهذا لا إثم عليه، كما أن هذا لا يبيح للجيش أن يخالف، بل يجب عليهم جميعاً أن يمتثلوا أمره ويلتزموا طاعته، قال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي: قوتكم {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا}[الأنفال:٤٦ - ٤٧] أي: فخراً وعجباً ورياء {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}[الأنفال:٤٧] أي: ورياء للناس {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنفال:٤٧].
فهذه الآيات قد جمعت آداب الجهاد في سبيل الله وبعض أحكام الجهاد في سبيل الله عز وجل.