للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم منع الوالدة ولدها من صوم النافلة]

السؤال

لو طلبت مني والدتي ألا أصوم النوافل لعلة أني ضعيف جسمياً فهل لي أن أصوم دون علمها؟

الجواب

لا، ليس لك ذلك؛ لأنك إذا كنت ضعيفاً وهزيلاً في بدنك فإن الصوم يضرك، وهذا هو ظاهر السؤال، لا بأس أن تجمع بين ترك الصوم وطاعة أمك، وهو أولى بلا شك، وقديماً حدث مثل هذا بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين نبينا عليه الصلاة والسلام، فـ عبد الله بن عمرو بن العاص كان من أعبد الصحابة على صغر سنه، وقد تزوج أول مرة وعمره اثنا عشر عاماً، وكان صواماً قواماً، تالياً لكتاب الله عز وجل، فكان يقرأ القرآن في كل يوم مرة، ويصلي طوال الليل ويصوم النهار، فلما تزوج امرأة من قريش تركها وأقبل على عبادة ربه في الليل، فلما أصبح أتاه أبوه عمرو بن العاص رضي الله عنه فسأل امرأته عن حاله، فقالت: نعم العبد هو، يقوم الليل ويصوم النهار، ففهم ما تريد، فأخذ ولده عبد الله وذهب به إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! هذا العبد فعل كذا وكذا، وهما في طريقهما إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: سودت وجهي أمام قريش وفعلت كذا وكذا، وشيء من هذا الكلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا عبد الله! كيف تصوم؟ قال: أسرد الصوم -يعني: أصوم كل يوم- فقال: إنما يكفيك أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر)، أي: ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، وتصور أن عبداً يصوم طوال السنة وطوال العمر، والنبي عليه الصلاة والسلام يحجمه في ثلاثة أيام، فقال: (يا رسول الله! أطيق أكثر من ذلك، فقال: اجمع إلى هذا صيام الإثنين والخميس، قال: أطيق أكثر من ذلك، قال: صم يوماً وأفطر يوماً -وهذا صيام نبي الله داود، فسكت على مضض- ثم قال له: كيف تقرأ القرآن؟ قال: في كل يوم مرة -وكيف بمن يختمه مرة في العمر- فقال له: بل اقرأه في شهر، فقال: يا رسول الله! أطيق أكثر من ذلك، قال: اقرأه في كل شهر مرتين، قال: أطيق أكثر من ذلك -حتى قال له-: اقرأه في ثلاث، ومن قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه -فسكت؛ لأنه حدد له الحد الأدنى- ثم قال له: كيف صلاتك؟ قال: أصلي الليل كله، فقال: بل صل بعضه ونم بعضه، فقال عبد الله بن عمرو: فلما كبر سني ورق عظمي وضعفت عما أمرني به النبي عليه الصلاة والسلام تمنيت أني ما رددت عليه أمره).

فالأخ لماذا ينذر أن يصوم أو يقوم أو يفعل طاعة معينة؟ والنذر كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما يستخرج بالنذر من البخيل)، فإن كنت قادراً على طاعة فاعملها بغير نذر؛ لأن النذر لا تضمنه، وأنت ضعيف لا تقدر عليه، وإذا كنت قادراً اليوم فربما تعجز عنه غداً، فأنت ابن يومك، وابن طاعة يومك، فإذا قدرت على طاعة ما في وقت ما فافعلها بغير نذر، مثل الذي يقول: يا رب! لو نجحت ولدي فسأذبح شاة، ولماذا لا يذبح الشاة لله إذا نجح ولده من غير نذر، وهذه ألطف.

فهو في الصورة الأولى: يعامل الله بالحد الأدنى من العبودية، كأنه يقول: يا رب! إذا عملت لي فسأعمل لك، وإذا لم تعمل لي لن أعمل لك.

وأما الصورة الثانية: فإنه يقدمها طيبة بها نفسه، وفي الغالب فإن الناذر إذا أوفى الله له العطاء ضن وبخل، ودائماً أسئلة الناذرين تقول: يا شيخ! أنا كنت قلت: لو أن الله تعالى فعل لي كذا فسأذبح خروفاً فهل ينفع أن آتي بخمسة كيلو من الجزار؟ وأقول: لا ينفع ذلك؛ لأن العبرة كلها بإهراق الدم بنية العبادة والقربة وإطعام اللحم.

وآخر يقول: أنا نذرت أصوم كل إثنين وخميس طول عمري، ثم تأتي عليه أيام لا يقدر على صيام شهر رمضان لكبر سن أو ضعف أو علة أو أي شيء، فلماذا يكلف الإنسان نفسه بأشياء عافاه الله تعالى منها؟ ولماذا لا يجعل طاعته لله تعالى بغير شرط، وهذا بلا شك أولى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يستخرج بالنذر من البخيل).