[مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان]
قال: (وقال الإمام أبو الحسن على بن خلف بن بطال المالكي المغربي في شرح صحيح البخاري: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه، قول الله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤].
وقال تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣].
وقول الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد:١٧].
وقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١].
وقوله تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤].
وقوله تعالى: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:١٧٣].
وقوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢].
قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص -لأنه إن لم يزدد في إيمانه فلابد أن يستلزم ذلك النقصان- قال: (فإن قيل: الإيمان في اللغة: التصديق؟ ف
الجواب
أن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فإذا ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان وبنقصانها ينقص).
وهذا كلام في غاية المتانة والجودة، فالإيمان عند أهل السنة قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا الكلام ينبغي حفظه والعض عليه بالنواجذ.
قال: (فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان).
ولم يقل: ينقص أصل الإيمان؛ لأن الأعمال هي المنسوب الذي به يزيد الإيمان وينقص، وكأن الأعمال لا علاقة لها بأصل الإيمان؛ لأن الأصل هو عقد القلب على الإقرار والتصديق، وأما الأعمال فإنما تأثيرها في الزيادة والنقصان.
قال: (ومتى زادت زاد الإيمان كمالاً، هذا توسط القول في الإيمان.
وأما التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينقص)، يعني: إن التصديق نفسه لا يزيد ولا ينقص، وقد قدمنا أنه يزيد وينقص حتى في أصل التصديق على المذهب الراجح.
قال: (ولذلك توقف مالك رحمه الله تعالى في بعض الروايات عن القول بالنقصان؛ إذ لا يجوز نقصان التصديق).
فهم قد تأولوا كلام الإمام مالك هكذا، والإمام مالك لم يتكلم عن نقصان التصديق أو زيادته حتى لا يشتبه قوله بقول الخوارج.
قال: (إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب، وقد قال مالك بنقصان الإيمان مثل قول جماعة أهل السنة.
قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة، التصديق بالقلب، ثم الإقرار باللسان، والعمل بالجوارح).
فلا بد من اجتماع هذه الثلاثة، التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان، وعمل الجوارح والأركان سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً، والإقرار باللسان أيضاً داخل في مسمى الإسلام، ثم التصديق بالإيمان في القلب هو الذي يسمى الإيمان، والإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
قال: (وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل -أي: لو صدق وعمل- على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن.
ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمناً بالإطلاق، وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمناً بالتصديق).
وكأن الإمام النووي أراد أن يقول: لابد من اجتماع هذه الثلاثة حتى يسمى الرجل مسلماً مؤمناً.
قال: (فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى؛ لقوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [الأنفال:٢ - ٣]].
فهو هنا يتكلم عن صفات المؤمنين، وأدخل