[باب جواز الحجامة للمحرم]
باب جواز الحجامة للمحرم.
قال: [عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)].
قال: [وعن ابن بحينة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه)].
قوله: (احتجم بطريق مكة وهو محرم) يعني: بين مكة وبين الميقات، أي: لم يعتمر بعد ولم يحج، وإنما احتجم في حال إحرامه، وأنتم تعلمون أن الحجامة لا بأس بها للمحرم؛ لأنها لا فدية عليها، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام افتدى هنا لأنه حلق شعره.
فالنسيكة هنا كانت من أجل حلق الرأس، فدم الحجامة لا يؤثر على الإحرام لا بكراهة ولا بغيرها، كما أن دم الحجامة لا تأثير له في الوضوء، فإذا احتجم متوضئ فلا يلزمه إعادة الوضوء، إنما يجب عليه أن يمسح موضع الدم أو يغسله، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا احتجم غسل مواضع محاجمه، أخرجه البخاري في كتاب الطهارة.
والدماء عموماً لا تأثير لها في الطهارة؛ ولذلك قال الحسن: لا يزال المسلمون يصلون في جراحاتهم، فالدماء لا تأثير لها قط لا في الصلاة ولا في الوضوء.
إذاً: إذا جرح المتوضئ لا يلزمه الإعادة، ولكنه يلزم بإزالة الدم وغسل موضعه.
وعبد الله بن عمر رضي الله عنه عصر بثرة في بدنه حتى خرج منها الدم، فصلى ولم يتوضأ.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلمون أنه طعن في صلاته، فاستمر فيها حتى غاب عن الوعي، ونصحه أصحابه بالصلاة عند الإفاضة أي: بإتمامها، وقال: (إنه لا حظ في الإسلام لمن لا حظ له في الصلاة)، وغير ذلك من الدماء التي تخرج من المخارج الطبيعية فيستوي في ذلك أن يخرج الدم من العين، أو من الأذن، أو من الأنف، أو من أي مخرج إلا مخرجين: القبل، والدبر، فإذا خرج الدم من القبل أو الدبر فإنه ينتقض به الوضوء.
واختلف أهل العلم في الدود الصغير الذي هو كرأس الدبوس إذا خرج من القبل هل ينقض؟ مذهب الجماهير أنه ينقض، ومذهب الأحناف أنه لا ينقض إلا إذا لوث الموضع.
والأحوط: أنه ينقض الوضوء، ويُلزم بإعادة الوضوء من باب الاحتياط؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ما لم يحدث) من حديث أبي هريرة في الصحيحين.
قيل لـ أبي هريرة: يا أبا هريرة! ما الحدث؟ قال: الصوت فساء أو ضراط.
ولذلك بوب البخاري في كتاب الطهارة باب: من لم ير نقض الوضوء إلا بالخارج من السبيلين، أو من أحدهما.
وأنت إذا نظرت إلى نواقض الوضوء تجد غالباً أن هذه النواقض مردها إلى القبل والدبر، حتى النوم مرده إلى الدبر؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (النوم وكاء السه، فإذا نام أحدكم انطلق الوكاء).
والوكاء بمعنى: الغطاء، فشبه الإنسان بالقربة التي لها غطاء محكوم، هذا الغطاء هو اليقظة، فإذا نمت انطلق هذا الوكاء، فقال: (النوم وكاء السه، فإذا نام أحدكم انطلق الوكاء).
يعني: إذا نام أحدكم لا يتحكم في خروج الريح من بدنه، فإذا نام فإن مرده كذلك إلى الخارج من أحد السبيلين.
وعن ابن بحينة: (أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه).
فالذي يحتجم في وسط رأسه يحتاج إلى إزالة بعض الشعر، ولا تتم الحجامة إلا بهذا الطريق.