للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيه الإمام النووي لحديث ابن عباس مع كريب في رؤية الهلال]

قوله: (فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية) إلى آخره.

يقول النووي: (والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة).

دعك من هذه الجزئية.

ثم قال: (وقيل: إن اتفق المطلع -أي: قربهم من خط الاستواء- لزمهم رؤية واحدة.

وقيل: إن اتفق الإقليم وإلا فلا.

وقال بعض الشافعية: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض) يعني: الذي يرى في أي قرية من القرى على وجه الأرض هذه الرؤية تلزم جميع المسلمين على وجه الأرض، وهذا رأي فاسد.

ثم يقول النووي: (نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب؛ لأنه شهادة، فلا تثبت بواحد، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا؛ وإنما رده لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد) يعني: على افتراض أن ابن عباس قَبِل كلام كريب ولكنه لم يعمل به؛ لأن بلاد الشام بلاد بعيدة جداً عنهم بينهم وبينها شهر، فرؤيتهم لا تلزمهم؛ لأن لهم رؤية تخصهم.

والحقيقة هذه المسألة فيها أبحاث كثيرة جداً وصنفت فيها فوق عشر رسائل رأيتها، ومدارها على هذه الآراء الثلاثة، وأرجح هذه الآراء -وهو الذي يهمنا- أن رؤية أي بلد من بلاد المسلمين المجاورة التي تشترك في الليل والنهار تلزم جميع البلاد، بشرط أن تكون رؤية عين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) أي: رؤية العين هذه، إما بالعين المجردة وإما بالمكبرات والعدسات والأجهزة الحديثة.

أما الحساب الفلكي في البدء والنهاية للشهر فهذا يستأنس به ولا يعتمد عليه، لكن الفرق بيننا وبين أمريكا أنهم يختلفون عنا عشر ساعات، وأقصى غرب أمريكا يختلف معنا في أربع عشرة ساعة، فهل يقال: إنهم يشتركون معنا في الليل والنهار؟ لا يقال ذلك؛ لأنهم يختلفون معنا في الأصل، أصل الليل عندنا نهار عندهم، والعكس بالعكس، فلا يقال: إنهم متفقون معنا قط، والذي يختلف معنا في خمس ساعات أو أربع ساعات لا بد أن مواقيت الصلاة تختلف بيننا وبينهم كذلك.

وأنا ذهبت إلى بلد في أمريكا في أقصى الجنوب النهار عندهم دوماً أربع ساعات فقط، والليل عشرون ساعة، والعكس في أقصى شمال أمريكا يكون النهار عشرين ساعة، والليل أربع ساعات، فكانوا يسألوننا: كيف نحسب صلاتنا؟ قلنا: قدروا لها قدرها.

فتصور أن أهل أقصى الجنوب كانوا يصلون الصلوات الخمس في خلال أربع ساعات، واتصلوا بالشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ الألباني رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فالجميع اتفقوا على أن أهل هذه البلاد يقدرون للصلاة قدرها: ما بين الصبح إلى الظهر أكثر مما بين الظهر إلى العصر، وما بين الظهر إلى العصر هو نفس الذي بين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء شيء يسير، فقدروا لها قدرها، فكانوا يقدرون بالساعات إلا الصبح والمغرب هذه بالشروق وهذا بالغروب.