[شرح حديث سعد: (دخل النبي علي يعودني)]
قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، وحدثنا أبو الطاهر وحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم -والمعروف بـ ابن راهويه - وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق -وهو ابن همام الصنعاني اليمني - أخبرنا معمر -وهو ابن راشد البصري اليمني يعني: هو من أهل البصرة، ولكنه تحوّل إلى صنعاء اليمن، وتتلمذ على يدي عبد الرزاق حتى أقام عنده وتزوج من أهل اليمن، وكان من حفاظ اليمن- وكلهم يروي عن الزهري بهذا الإسناد نحوه.
وحدثنا إسحاق بن منصور -وهو المعروف بـ الكوسج - قال: حدثنا أبو داود الحفري، وهي نسبة إلى مكان بالكوفة واسمه هو عمرو بن سعد.
يقول أبو حاتم وابن حبان والسمعاني وغيرهم: هو الثقة الزاهد الصالح العابد.
وقال ابن المديني: ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري.
وقال وكيع وهو من أهل الكوفة: إن كان يُدفع بأحد في زماننا -أي: البلاء والنوازل- فبـ أبي داود يعني: أنه من العُبّاد الصالحين، إذا أرادوا أن يتوسلوا بدعاء الحي فليس أحد بالكوفة يتوسّل بدعائه لرفع البلاء والنوازل غير هذا العلم الجبل، لكن الذين زكّوه كـ علي بن المديني ووكيع وسفيان وغيرهم في الحقيقة هم أجل منه في الرواية، وكان هو قليل الرواية، فالمنشغل بالرواية غالباً ينشغل بغير العبادة؛ ولذلك الإمام الخطيب البغدادي صنّف كتاب شرف أصحاب الحديث، وذكر باباً وهو باب: توافق العلماء على أن مسألة في العلم أفضل من سبعين ركعة.
والمقصود بها: ركعات النوافل، بل كان الواحد منهم أحياناً يترك قيام الليل لأجل المذاكرة والعلم والتحصيل، أو لأجل الاستفادة من عالم ينزل البلد، ويمكث فيها أكثر الليالي، فكانوا يستغلون ذلك في التلقي، وإن كان ذلك على حساب قيام الليل، فقد كان يحيى بن معين إذا زار أحمد بن حنبل ترك - أحمد - قيام الليل وبرك بركبتيه عند قدمي يحيى بن معين، فسأله عن ذلك ولده عبد الله وقال: أراك تترك قيام الليل إذا أتانا هذا الرجل؟ فقال: يا بني إن قيام الليل يدرك، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (من فاته الوتر من الليل فليصل اثنتي عشرة ركعة بالنهار)، أما هذا الرجال ففواته لا يدرك، يعني: إذا تركنا الانتفاع به في هذه الليلة فلعلنا لا ننتفع به.
فأهل العلم كانوا يحرصون على طلب العلم ولو على المسألة البسيطة اليسيرة، ويقدّمونها على سواها.
وهذا مالك بن أنس بن مالك أبي عامر الأصبحي الإمام الفقيه المدني كان يدرّس في المسجد النبوي، فلما أذن المؤذن قام أحد الحاضرين ليصلي.
قال: ماذا تصنع؟ قال: أصلي يا إمام، أما سمعت النداء؟ قال: أما بلغك أن ما أنت فيه خير لك مما قمت إليه؟ الذي أنت فيه من طلب العلم وحضور حلقة الدرس أولى من القيام لصلاة ركعتين أو أربع؛ لأن طلب العلم هو من أعظم وأشرف وأفضل القربات، وقد جعل الله تعالى ذلك في كتابه، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام له في سنته ما لم يكن لأي عمل من الأعمال، وهذا يدل على فضل العلم ومنزلته.
يقول الحفري: عن سفيان عن سعد بن إبراهيم المدني عن عامر بن سعد عن سعد قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي يعودني) فذكر بمعنى حديث الزهري، ولم يذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام سعد بن خولة غير أنه قال: (وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها).
قال: [وحدثني زهير بن حرب حدثني الحسن بن موسى -وهو المعروف بـ الأشيب - حدثنا زهير -وهو ابن معاوية - حدثنا سماك بن حرب حدثني مصعب بن سعد عن أبيه -هذا مصعب بن سعد بن أبي وقاص أخو عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري - قال: (مرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت -يعني: ائذن لي يا رسول الله أن أوزّع مالي على حسب مشيئتي وإرادتي- قال: فأبى النبي عليه الصلاة والسلام.
قلت: فالنصف؟ فأبى.
قلت: فالثلث؟ قال: فسكت بعد الثلث، قال: فكان بعد الثلث جائزاً)].
أي: فكان بعد ذلك التصدق والوصية بالثلث أمراً