على الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وأيضًا مستلزم لتغايرهما، وهو ضد لما يراد من التأكيد، فلا يصح أن يقال للعاطف مؤكد.
وأيضًا لو صلحت الواو لتأكيد لصوق الموصوف بالصفة لكان أولى المواضع بها موضعًا لا يصلح للحال، نحو إن رجلاً رأيه سديد لسعيد، فرأيه سديد جملة نعت بها، ولا يجوز اقترانها بالواو ولعدم صلاحيتها للحال، بخلاف {ولها كتاب معلوم} فإنها جملة يصلح في موضعها الحال لأنها بعد نفي.
وتعقبه نجم الدين سعيد على الوجه الأوّل بأن الزمخشري أعرف باللغة مع أنه لا يلزم من عدم العرفان بالمعوّل عليه عدمه، وعلى الثاني أن تغاير الشيئين لا ينافي تلاصقهما، والجملة التي هي صفة لها التصاق بالموصوف، والواو أكدت الالتصاق باعتبار أنها في أصلها للجمع المناسب للإلصاق لا أنها عاطفة، وعلى الثالث أن المراد من الالتصاق ليس الالتصاق اللفظي كما فهمه ابن مالك بل المعنوي، والواو تؤكد الثاني دون الأوّل.
وتعقبه البدر الدماميني بأن قوله أعرف باللغة مجرد دعوى مع أنها لو سلمت لا تصلح لردّ أن هذا المذهب غير معروف لبصري ولا كوفي، وإنما وجه الردّ أن يقال بل هو معروف، ويبيّن من قاله منهم انتهى.
وقد تبع الزمخشري في ذلك أبو البقاء، وقال في الدران في محفوظه أن ابن جني سبق الزمخشري بذلك وقوّاه بآية {إلا لها منذرون} وقراءة ابن أبي عبلة إلا لها كتاب بإسقاط الواو، ويحتمل أن يكون قائل ذلك أبا إدريس فيكون متصلاً إن حمل على أنه سمع ذلك من عبادة أو الزهري، فيكون منقطعًا. والجملة اعتراض بين إن وخبرها الساقط من أصل الرواية هنا، ولعلها سقطت من ناسخ بعده. واستمر بدليل ثبوتها عند المصنف في باب من شهد بدرًا والتقدير هنا أن عبادة بن الصامت أخبر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وحوله) بالنصب على الظرفية (عصابة من أصحابه) بكسر العين ما بين العشرة إلى الأربعين، والجملة اسمية حالية وعصابة مبتدأ خبره حوله مقدمًا، ومن أصحابه صفة لعصابة، وأشار الراوي بذلك إلى المبالغة في ضبط الحديث، وأنه عن تحقيق وإتقان، ولذا ذكر أن الراوي شهد بدرًا وأنه أحد النقباء والمراد به التقوية، فإن الرواية تترجح عند المعارضة بفضل الراوي وشرفه. ومقول قوله عليه الصلاة والسلام.
(بايعوني) أي عاقدوني (على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا) أي على ترك الإشراك وهو عام، لأنه نكرة في سياق النهي كالنفي، وقدمه على ما بعده لأنه الأصل. (و) على أن (لا تسرقوا) فيه حذف المفعول ليدل على العموم، (ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم) خصّهم بالذكر لأنهم كانوا في الغالب يقتلونهم خشية الإملاق، أو لأن قتلهم أكثر من قتل غيرهم، وهو الوأد وهو أشنع القتل، أو أنه قتل وقطيعة رحم، فصرف العناية إليه أكثر. (ولا تأتوا) بحذف النون، ولغير الأربعة ولا تأتون (ببهتان) أي بكذب يبهت سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا والفضيحة والعار. وقوله (تفترونه) من الافتراء أي تختلقونه (بين أيديكم وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم، فكنى باليد والرجل عن الذات لأن الأفعال بهما، والمعنى لا تأتوا ببهتان من قبل أنفسكم أو أن البهتان ناشىء عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل ثم يبرزه بلسانه، والمعنى لا تبهتوا الناس بالمعايب كفاحًا مواجهة، (ولا تعصوا في معروف) وهو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا وليد به تطييبًا لقلوبهم، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا به، وقال البيضاوي في الآية والتقييد بالمعروف مع أن الرسول لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، وخصّ ما ذكر من المناهي بالذكر دون غيره للاهتمام به (فمن وفى) بالتخفيف، وفي رواية أبي ذر وفي بالتشديد، أي ثبت على العهد (منكم فأجره على الله) فضلاً ووعدًا أي بالجنة، كما وقع التصريح به في الصحيحين من حديث عبادة في رواية الصنابحي. وعبر بلفظ على وبالأجر للمبالغة في تحقق وقوعه، ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القاطعة على أنه لا يجب على الله شيء، بل الأجر من فضله عليه لما ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت