ويحزنه أمر من يأخذ منه زكاة ماله لفقد المحتاج لأخذ الزكاة لعموم الغنى لجميع الناس، والثاني بفتح أوّله وضم الهاء من هم بمعنى قصد ورب فاعل ومن مفعول أي يقصده فلا يجده انتهى. ففرقوا بينهما فجعلوا الأول متعديًا من الإهمام ورب مفعولاً والثاني من الهم القصد ورب فاعلاً. وتعقب الزركشي والبرماوي وغيرهما الثاني فقالوا: هذا ليس بشيء إذ يصير
التقدير يقصد الرجل من يأخذ ماله فيستحيل وليس المعنى إلا على الأول. وأجاب البدر الدماميني: بأنه لا استحالة أصلاً فإنهم قالوا المعنى أنه يقصد من يأخذ ماله فلا يجده، وإذا لم يجد الإنسان طلبته التي هو حريص عليها فلا شك أنه يحزن ويقلق لفوات مقصوده فعاد هذا إلى المعنى الأول انتهى.
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يهم رب المال من يقبله أي المال صدقة (وحتى يعرضه) بفتح أوله (فيقول الذي يعرضه عليه:) بنصب يقول عطفًا على الفعل المنصوب قبله (لا أرب لي) بفتحات أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه. قال الزركشي والكرماني والبرماوي: كأنه سقط من الكتاب كلمة فيه أي بعد قوله "لا أرب لي" قال العيني مشيرًا إلى الكرماني: السقط كأنه كان في نسخته وهو موجود في النسخ انتهى.
والظاهر أن النسخ التي وقف عليها العيني ليست معتمدة فقد راجعت أصولاً معتمدة فلم أجدها مع ما هو مفهوم كلام الحافظ ابن حجر أو منطوقه في شرحه لهذا الموضع حيث قال قوله لا أرب لي: زاد في الفتن به فلو كانت ثابتة في الرواية هنا لما احتاج أن يقول زاد في الفتن به، بل قال البدر الدماميني: إن رواة البخاري متفقون على رواية هذا الحديث بدون هذه اللفظة والمعنى عليها في كلام المتكلم يقول: لا أرب لي بحذف الجار والمجرور لقيام القرينة انتهى.
وقول البرماوي كالكرماني وغيرهما وقد وجد ذلك في زمن الصحابة كان تعرض عليهم الصدقة فيأبون قبولها يشيرون به إلى نحو حكيم بن حزام إذ دعاه الصديق -رضي الله عنه- ليعطيه عطاء فأبى وعرض عليه عمر بن الخطاب قسمه من الفيء فلم يقبله رواه الشيخان وغيرهما، ولكن هذا إنما كان لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا مع قلة المال وكثرة الاحتياج ولم يكن لفيض المال وحينئذ فلا يستشهد به في هذا المقام.
١٤١٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ "كُنْتُ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَاّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ. وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ. ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ النَّارَ. فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». [الحديث ١٤١٣ - أطرافه في: ١٤١٧، ٣٥٩٥، ٦٠٢٣، ٦٥٣٩، ٦٥٤٠، ٦٥٦٣، ٧٤٤٣، ٧٥١٢].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عاصم النبيل) قال: (أخبرنا سعدان بن بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة الجهني قال: (حدّثنا أبو مجاهد) سعد الطائي قال: (حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام (الطائي قال: سمعت عدي بن حاتم) الطائي (رضي الله عنه) والده الجواد المشهور أسلم سنة تسع أو عشر وتوفي بعد الستين وقد أسن، قيل: بلغ مائة وعشرين، وقيل مائة وثمانين (يقول: كنت عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفهما (أحدهما يشكو العيلة) بفتح العين أي الفقر (والآخر يشكو قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في المكامن لأخذ مال أو لقتل أو ارعاب مكابرة اعتمادًا على الشوكة مع البعد عن الغوث، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما قطع السيل فإنه لا ويأتي عليك إلا قليل) بالرفع على البدل (حتى تخرج العير) بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية الإبل تحمل الميرة (إلى مكة بغير خفير) بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء المجير الذي يكون القوم في خفارته وذمته (وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه) لاستغنائه عنها (ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله) عز وجل (ليس بينه وبينه حجاب) هذا على سبيل التمثيل وإلاّ فالباري سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء ولا يحجبه حجاب، وإنما يستر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب للعجز عن الإدراك في الدنيا فإذا كان يوم القيامة كشفها عن أبصارنا وقوّاها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر (ولا ترجمان) بفتح التاء وضمها وضم الجيم (يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟) زاد أبو الوقت: وولدًا (فليقولن: بلى.