-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء ثلاثًا (ثم قال):
(يا حكيم، إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة التي هي (خضرة) في النظر (حلوة)، في الذوق وكل منهما يرغب فيه على انفراده فكيف إذا اجتمعا. وقال في التنقيح: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء أو الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم. قال في المصابيح: إذا كان قوله خضرة صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية نحو هند حسنة أو في حكمها كالمنسوب أما في الجوامد فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة انتهى.
(فمن أخذه) أي المال وللحموي: فمن أخذ (بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) أي مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له) أي الآخذ (فيه) أي في المعطى (وكان) أي الآخذ (كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم من غلبة خلط سوداوي أو آفة، ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا فلا يجد شبعًا ولا ينجع فيه الطعام.
وقال في شرح المشكاة: لما وصف المال بما تميل إليه النفس الإنسانية بجبلتها رتب عليه بالفاء أمرين: أحدهما: تركه مع ما هي مجبولة عليه من الحرص والشره والميل إلى الشهوات وإليه أشار
بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس. وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس، فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[التغابن: ١٦] وسقط من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان. فإما أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك (اليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) السائلة (فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وضم الهمزة أي لا أنقص (أحدًا بعدك) أي بعد سؤالك أو لا أرزأ غيرك (شيئًا) من ماله أي لا آخذ من أحد شيئًا بعدك. وفي رواية إسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت أيدي العرب (حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن يقبله منه) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما يريد ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه (ثم إن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى) أي امتنع (أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر) لمن حضره مبالغة في براءة سيرته العادلة من الحيف والتخصيص والحرمان بغير مستند: (إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) فيه أنه لا يستحق من بيت المال شيئًا إلا بإعطاء الإمام، ولا يجبر احد على الأخذ وإنما أشهد عمر على حكيم لما مرّ (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس سراقة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق انتهى.
وقد مثل القاضي أبو بكر بن العربي للواجب بالمريدين في ابتداء أمرهم ونازعه العراقي بأنه