وارتكاب المحظورات ({ولا جدال}) ولا مراء مع الخدم والرفقة ({في الحج}) [البقرة: ١٩٧] في أيامه الثلاثة. وقرأ رفث وفسوق برفعهما منّونًا ابن كثير وأبو عمرو على جعل لا ليسية وهو خبر بمعنى النهي، أو على جعلهما جملتين حذف خبرهما، أو رفث مبتدأ وفسوق عطف عليه والخبر محذوف. وقرأ الباقون بالنصب بلا تنوين مبنيين مع لا الجنسية والجمهور على بناء جدال على الفتح للعموم.
({يسألونك}) [البقرة: ١٨٩] ولأبي ذر: وقوله يسألونك (عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) جمع ميقات من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها والزمان مدة مقسومة والوقت الزمان المفروض لأمر.
(وقال ابن عمر:) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) مما وصله ابن جرير الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه: (أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) فيدخل يوم النحر، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد. وقال الشافعي: لا يدخل يوم النحر وهو المصحح المشهور عنه. وقال مالك في المشهور عنه ذو الحجة بكماله لقوله تعالى: ({الحج أشهر معلومات}) وإنما تكون أشهرًا إذا كمل ذو الحجة، وليس المراد من كونها أشهر الحج باعتبار أن كل أفعاله جائزة فيها. ألا ترى أن الوقوف وطواف الزيادة وغيرهما غير جائز في شوال بل باعتبار أن بعض أفعاله يعتدّ بها فيها دون غيرها كما أن الأفاقي إذا قدم في شوال وطاف طواف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج.
(وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-:) مما وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم (من السنة) أي من الشريعة (أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج) فلو أحرم به في غير أشهره كرمضان انعقد عمرة عند الشافعية لأن الإحرام شديد التعلق واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف إلى ما يقبله وهو العمرة. وقال المالكية والحنفية: ينعقد حجًّا ولا يصح شيء من أفعاله إلا فيها لكنه يكره. قال الحنفية: لأنه لا يأمن في التقديم وقوع محظور. وقال المالكية: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أحرم به في أشهره.
(وكره عثمان) بن عفان (-رضي الله عنه- أن يحرم من خراسان) بضم الخاء المعجمة (أو كرمان) بكسر الكاف لأبي ذر وبفتحها لغيره وهذا وصله سعيد بن منصور ولفظه: حدّثنا هشيم يونس بن عبيد حدّثنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه
فيما صنع وكرهه، ولأبي أحمد بن سيار في تاريخ مرو قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرمًا فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه. وفي تاريخ يعقوب بن أبي سفيان أن ذلك في السنة التي قتل فيها عثمان، ووجه الكراهة ما فيه من الحرج والضرر.
١٥٦٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا. قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَالَ: فَلَا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَاهُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ". ضَيْرُ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا. وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا.
وبالسند قال: (حدثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة الملقب ببندار (قال: حدثني) بالإفراد (أبو بكر) عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة ثم حاء مهملة وحميد بضم الحاء المهملة وفتح الميم الأنصاري (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أشهر الحج، وليالي الحج، وحرم الحج)، بضم الحاء والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته، وهذا موضع الترجمة فإنه يدل على أنه كان مشهورًا عندهم معلومًا. وللأصيلي فيما ذكره الزركشي كعياض: وحرم الحج بفتح الراء جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته، (فنزلنا بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء غير منصرف للعلمية والتأنيث اسم بقعة على عشرة أميال من مكة (قالت) عائشة (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قبته التي ضربت له (إلى أصحابه فقال:) لهم:
(من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل) أي العمرة (ومن كان
معه الهدي فلا) يفعل أي لا يجعلها عمرة فحذف الفعل المجزوم بلا الناهية، ولمسلم