الرواية السابقة في باب: قول الله تعالى: ﴿الحج أشهر معلومات﴾ ثم ائتيا هاهنا أي المحصب (قالت صفية:) بنت حيي أم المؤمنين ﵂ (ما أراني) بضم الهمزة أي ما أظن نفسي (إلا حابستهم.) بالنصب أي القوم عن المسير إلى المدينة لأني حضت ولم يطف بالبيت، فلعلهم بسببي يتوقفون إلى زمان طوافي بعد الطهارة، وإسناد الحبس إليها مجاز. وفي نسخة: حابستكم بكاف الخطاب وكانت صفية كما سيأتي إن شاء الله تعالى قد حاضت ليلة النفر فأراد النبي ﷺ منها ما يريد الرجل من أهله وذلك قبيل وقت النفر لا عقب الإفاضة. قالت عائشة: يا رسول الله إنها حائض.
(قال): ﵊ (عقرا حلقا،) بفتح الأول وسكون الثاني فيهما وألفهما مقصورة للتأنيث فلا ينوّنان ويكتبان بالألف هكذا يرويه المحدثون حتى لا يكاد يعرف غيره وفيه خمسة أوجه.
أولها: إنهما وصفان لمؤنث بوزن فعلى أي عقرها الله في جسدها وحلقها أي أصابها وجع في حلقها أو حلق شعرها فهي معقرة محلوقة وهما مرفوعان خبرا المبتدأ محذوف أي هي.
ثانيها: كذلك إلا أنها بمعنى فاعل أي أنها تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها أي تستأصلهم فكأنه وصف من فعل متعدّ وهما مرفوعان أيضًا بتقدير هي وبه قال الزمخشري.
ثالثها: كذلك إلا أنه جمع كجريح وجرحى أي ويكون وصف المفرد بذلك مبالغة.
رابعها: أنه وصف فاعل لكن بمعنى لا تلد كعاقر وحلقى أي مشؤومة. قال الأصمعي: يقال أصبحت أمه حالقًا أي ثاكلاً.
خامسها: إنهما مصدران كدعوى والمعنى عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها كما سبق قاله في المحكم فيكون منصوبًا بحركة مقدّرة على قاعدة المقصور وليس بوصف.
وقال أبو عبيدة: الصواب عقرًا حلقًا بالتنوين فيهما. قيل له: لم لا يجوز فعلى؟ قال: لأن فعلى يجيء نعتًا ولم يجيء في الدعاء. وهذا دعاء. وقال في القاموس: عقرا وحلقا وينوّنان. وفي الصحاح وربما قالوا عقرا وحلقا بلا تنوين، وحاصله جواز الوجهين فالتنوين على أنه مصدر منصوب كسقيًا وتركه إما على أنه مصدر كما في المحكم أو وصف على بابه فيكون مرفوعًا كما مرّ، فالجملة على هذا خبرية وعلى ما قبله دعائية. وفي القاموس كالمحكم إطلاق العقرا على الحائض وكأن العقر بمعنى الجرح لما كان فيه سيلان دم سمي سيلان الدم بذلك، وعلى كل تقدير فليس المراد حقيقة ذلك لا في الدعاء ولا في الوصف بل هي كلمة اتسعت فيها العرب فتطلقها ولا تريد حقيقة معناها فهي كتربت يداه ونحو ذلك.
(أو ما طفت يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قالت): صفية (قلت: بلى) طفت (قال) ﵊: (لا بأس، انفري). بكسر الفاء أي ارجعي واذهبي إذ طواف الوداع ساقط عن
الحائض. (قالت عائشة ﵂: فلقيني النبي ﷺ) بالمحصب (وهو مصعد) بضم أوله وكسر ثانيه أي مبتدئ السير (من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها) بالشك من الراوي والواو في وهو وأنا للحال.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي.
١٥٦٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ".
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة الأسدي (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة ﵂ أنها قالت):
(خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة) فقط (ومنا من أهل بحجة وعمرة) جمع بينهما، ولأبي ذر: بحج وعمرة (ومنا من أهلّ بالحج) فقط وكانوا أوّلاً لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي ﷺ وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج. والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة ﵃ كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم فأمرهم النبي ﷺ أن يقلبوه عمرة وهو معنى