(من سامع) سمعه مني.
قال النووي: وفيه تصريح بوجوب نقل العلم على الكفاية وإشاعة السنن والأحكام: وقال المهلب: فيه إنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدم إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل اهـ.
وفيه شيء، فقد قال ابن هشام في مغنيه: وليس معناه التقليل دائمًا خلافًا للأكثرين ولا التكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وجماعة بل ترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلاً، فمن الأول ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢] وفي الحديث: يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة. وقال الشاعر:
فيارب يوم قد لهوت وليلة … بآنسة كأنها خط تمثال
وتوجيه ذلك أن الآية والحديث مسوقان للتخويف والبيت مسوق للافتخار ولا يناسب واحد منها التقليل، ومن الثاني قول أبي طالب في النبي ﷺ:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه … ثمال اليتامى عصمة للأرامل
لكن الظاهر أن المراد بها هنا في حديث الباب التقليل بدليل قوله في الرواية السابقة في العلم
عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه (فلا) بالفاء ولأبي الوقت: ولا (ترجعوا) أي لا تصيروا (بعدي كفارًا) أي كالكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب ويجوز جزمه كما مرّ في الحديث السابق.
وفي هذا الحديث رواية ثلاثة من التابعين وهم: محمد بن سيرين، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وحميد بن عبد الرحمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ويأتي إن شاء الله في التفسير وبدء الخلق والفتن.
١٧٤٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ "قَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ. أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ. أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ "وَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ. فَطَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ".
[الحديث ١٧٤٢ - أطرافه في: ٤٤٠٣، ٦٠٤٣، ٦١٦٦، ٦٧٨٥، ٦٨٦٨، ٧٠٧٧].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) السلمي الواسطي قال: (أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) جد محمد بن زيد (﵄ قال: قال النبي ﷺ) حال كونه (بمنى) أي فيها في خطبته التي خطبها يوم النحر:
(أتدرون أي يوم هذا)؟ برفع أي والجملة مقول القول (قالوا: الله ورسوله أعلم) بذلك (فقال) ﵊، ولأبي الوقت: قال: (فإن هذا يوم حرام) حرم الله فيه القتل (أفتدرون أي بلد هذا) بالتذكير (قالوا: الله ورسوله أعلم قال) ﵊ أنه (بلد حرام) بالتذكير لا يجوز فيه القتل (أفتدرون أي شهر هذا)؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم قال) ﵊: إنه (شهر حرام) يحرم فيه القتل (قال) ﵊ (فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا) مكة.
وفي هذا الحديث كسابقه من الفوائد مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وجواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، وجواز وصفه
بكونه من أهل العلم بذلك، وأخرجه البخاري أيضًا في الدّيات والفتن والأدب والحدود والمغازي ومسلم في الإيمان.
(وقال هشام بن الغاز): بفتح الغين المعجمة وتخفيف الزاي من الغزو بحذف الياء وإثباتها ابن ربيعة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبالمعجمة مما وصله ابن ماجة ولفظه: حدّثنا المؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز قال: حدّثنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ وقف يوم النحر عليّ الحجة التي حج فيها فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النحر، فقال: هذا يوم الحج الأكبر.
ورواه ابن ماجة وغيره (أخبرني) بالإفراد ولأبي الوقت أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر ﵄) قال: (وقف النبي ﷺ يوم النحر بين الجمرات) بفتح الجيم والميم جمع جمرة وفيه تعيين موضع وقوفه ﵊ كما أن في الرواية السابقة تعيين الزمان كحديثي ابن عباس تعيين اليوم كتعيين الوقت منه في رواية رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي ولفظه: رأيت النبي ﷺ يخطب الناس بمنى حين ارتفع