من قوله اهـ.
وفيه إسماعيل بن مسلم ضعفوه، وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وأن تحج وتعمر. قال الدارقطني: إسناده صحيح.
وعن عائشة عند ابن ماجة والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة قالت قلت يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة".
وروى الترمذي وصححه أن أبا رزين لقيط بن عامر العقيلي أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: "حج عن أبيك واعتمر" واحتج القائلون بالسنية بحديث بني الإسلام على خمس فذكر الحج دون العمرة.
وأجابوا عن ثبوتها في حديث الدارقطني بأنها شاذة وبحديث الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر عند الترمذي وقال حسن صحيح قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا وإن تعتمر فهو أفضل" لكن قال في شرح المهذّب: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف ولا يغترّ بقول الترمذي فيه حسن صحيح.
وقال العلامة الكمال ابن الهمام في فتح القدير: إنه لا ينزل عن كونه حسنًا والحسن حجة اتفاقًا وإن قال الدارقطني الحجاج بن أرطأة لا يحتج به، فقد اتفقت الروايات عن الترمذي على تحسين حديثه هذا، وقد رواه ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر، وأخرجه الطبراني في الصغير والدارقطني بطريق آخر عن جابر فيه يحيى بن أيوب وضعفه، وروى عبد الباقي ابن قانع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحج جهاد والعمرة تطوّع" وهو أيضًا حجة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: الحج فريضة والعمرة تطوّع وكفى بعبد الله قدوة. وتعدد طرق حديث الترمذي الذي اتفقت الروايات على تحسينه برفعه إلى درجة الصحيح كما أن تعدد طرق الضعيف ترفعه إلى الحسن فقام ركن المعارضة والافتراض لا يثبت مع المعارضة لأن المعارضة تمنعه من إثبات مقتضاه، ولا يخفى أن المراد من قول الشافعي: الفرض الظني هو الوجوب عندنا، ومقتضى ما ذكرناه أن لا يثبت مقتضى ما رويناه أيضًا للاشتراك في موجب المعارضة فحاصل التقرير حينئذ تعارض مقتضيات الوجوب والنفل فلا يثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين وذلك يوجب السنية فقلنا بها اهـ.
وأجاب القائلون بالاستحباب أيضًا عن الآية بأنه لا يلزم من الاقتران بالحج أن تكون العمرة واجبة فهذا الاستدلال ضعيف، وبأن في قراءة الشعبي والعمرة لله بالرفع ففصل بهذه القراءة عطف العمرة على الحج ليرتفع الإشكال.
١٧٧٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَاّ الْجَنَّةُ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام مات مقتولاً بقديد سنة ثلاثين ومائة، وحديثه هذا من غرائب الصحيح لأنه تفرد به واحتاج الناس إليه فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكان سهيلاً لم يسمعه من أبيه وتحقق بذلك تفرد سمي به قاله ابن عبد البر فيما حكاه عنه في الفتح (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(العمرة إلى العمرة) يحتمل كما قاله ابن التين أن "إلى" بمعنى "مع" كقوله تعالى إلى أموالكم: {من أنصاري إلى الله} [آل عمران: ٥٢ والصف: ١٤] (كفارة لما بينهما)، من الذنوب غير الكبائر، وظاهره أن العمرة الأولى هي المكفرة لأنها هي التي وقع الخبر عنها أنها تكفر، ولكن الظاهر من جهة المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة السابقة فإن التكفير قبل وقوع الذنب حلاف الظاهر.
واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر مكفر فماذا تكفر العمرة؟ وأجيب: بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتتاب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية.
(والحج المبرور) الذي لا يخالطه إثم أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة