للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن مالك في المسجد، وشهر رمضان اللذين هما محلان للذكر لا للغو مع استلزام ذلك لرفع الصوت بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام المنهي عنه (فرفعت) أي رفع بيانها أو علمها من قلبي بمعنى نسيتها ويدل له حديث أبي سعيد المروي في مسلم، فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدّعي كلّ منهما أنه محق معهما الشيطان فنسيتها، (وعسى أن يكون) رفعها (خيرًا لكم) لتزيدوا في الاجتهاد في طلبها فتكون زيادة في ثوابكم ولو كانت معينة لاقتصرتم عليها فقل عملكم وشذ قوم فقالوا برفعها وهو غلط كما بيّنه قوله (التمسوها) أي اطلبوها إذ لو كان المراد رفع وجودها لم يأمرهم بالتماسها، وفي رواية أبي ذر والأصيلي فالتمسوها (في) ليلة (السبع) بالموحدة والعشرين من رمضان المذكور (والتسع) والعشرين منه (والخمس) والعشرين منه كما استفيد التقدير من روايات أُخر، وفي رواية بتقديم التسع بالثناة على السبع بالموحدة.

فإن قلت: كيف أمر بطلب ما رفع علمه؟ أجيب: بأن المراد طلب التعبد في مظانها، وربما يقع العمل مضافًا لها لا أنه أمر بطلب العلم بعينه. وفي الحديث ذمّ الملاحاة والخصومة وأنهما سبب العقوبة للعامّة بذنب الخاصة والحثّ على طلب ليلة القدر، ورواته ما بين بلخي وبصري ومدني ورواية صحابي عن صحابي، والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصوم وفي الأدب وكذا النسائي.

٣٧ - باب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ. وَبَيَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

ثُمَّ قَالَ «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا. وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.

هذا (باب) بغير تنوين لإضافته إلى قوله (سؤال جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإيمان والإسلام إحسان) بإضافة سؤال لجبريل من إضافة المصدر للفاعل والنبي نصب معمول المصدر (و) عن (علم) وقت لساعة) قدر بالوقت لأن السؤال لم يقع عن نفس الساعة، وإنما هو عن وقتها بقرينة ذكر متى الساعة، (وبيان) لجر عطفًا على سؤال جبريل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أكثر المسؤول عنه لأنه لم يبين وقت الساعة إذ كم عظم الشيء حكم كله أو أن قوله عن الساعة لا يعلمها إلاّ الله بيان له (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعطف لجملة الفعلية على الاسمية لأن الأسلوب يتغير بتغير المقصود لأن مقصوده من الكلام الأوّل الترجمة، ومن الثاني كيفية الاستدلال فلتغايرهما تغاير الأسلوبان (جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك كله دينًا) يدخل فيه اعتقاد وجود الساعة وعدم العلم بوقتها لغير الله تعالى لأنهما من الدين، (وما بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوفد عبد القيس من الإيمان) أي مع ما بين للوفد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسّره في قصتهم بما فسر به الإسلام (وقوله تعالى) وفي رواية أبي ذر وقول الله تعالى، وفي رواية الأصيلي عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] أي مع ما دلّت عليه هذه الآية أن الإسلام هو الدين إذ لو كان غيره لم يقبل، فاقتضى ذلك أن الإيمان والإسلام شيء واحد، ويؤيده ما نقل أبو عوانة في صحيحه عن المزني من الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك من الشافعيّ، وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى قريبًا.

٥٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ. قَالَ مَا الإِسْلَامُ؟ قَالَ: «الإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا؛ وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَاّ اللَّهُ. ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيَةَ. ثُمَّ أَدْبَرَ. فَقَالَ رُدُّوهُ. فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ». [الحديث ٥٠ - طرفه في: ٤٧٧٧].

وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن سهم وأمه علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية (قال أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) نسبة إلى تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال):

(كان النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بارزًا) أي ظاهرًا (يومًا للناس) غير محتجب عنهم ويومًا نصب على الظرفية (فأتاه رجل) أي ملك في صورة رجل وهو رواية الأربعة، وفي رواية في أصل متن فرع اليونينية كهي جبريل (فقال) بعد أن سلم يا محمد كما في مسلم، وإنما ناداه باسمه كما يناديه الأعراب تعمية بحاله أو لأن له دالة المعلم (ما الإيمان) أي ما متعلقاته وقد وقع السؤال بما ولا يسأل بها إلا عن الماهية (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإيمان أن تؤمن بالله) أي تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة له تعالى، لكن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام علم أنه سأله

<<  <  ج: ص:  >  >>