في شهر رمضان ختمتين
واستمر على ذلك عمل أهل المدينة فهم عليه إلى الآن، فنسأل الله الكريم المنان، أن يبلغنا صلاتها كذلك في ذاك المكان، في عافية وأمان، استودعه تعالى ذلك ونعمة الإسلام.
وقد قال النووي قال الشافعي والأصحاب ولا يجوز ذلك أي صلاتها ستًا وثلاثين ركعة لغير أهل المدينة لأن لأهلها شرفًا بهجرته ﷺ، وهذا يخالفه قول الشافعي المروي عنه في المعرفة للبيهقي وليس في شيء من هذا ضيق ولا حدّ ينتهي إليه لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهذا أحب إليّ وإن أكثروا الرجوع والسجود فحسن، وقول الحليمي: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاين فحسن أيضًا لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعضهم، قال: والاقتصار على عشرين مع القراءة فيها بما يقرؤه غيره في ست وثلاثين ركعة أفضل لفضل طول القيام على كثرة الركوع والسجود. وعن الشافعي أيضًا فيما رواه عنه الزعفراني: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق اهـ.
وقال الحنابلة: والتراويح عشرون ولا بأس بالزيادة نصًّا أي عن الإمام أحمد.
٢٠١١ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس عبد الله بن أويس الأصبحي وهو ابن أخت الإمام مالك (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الأصبحي الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة ﵂ زوج النبي) (أن رسول الله ﷺ صلّى، وذلك في رمضان). هذا الحديث ساقه هنا مختصرًا جدًّا فذكر كلمة من أوله وشيئًا من آخره كما ترى، وقد ساقه تامًّا في باب تحريض النبي ﷺ على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب من أبواب التهجد ولفظه: أن رسول الله ﷺ صلّى ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال "قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان. وقوله: قد رأيت الذي صنعتم أي من حرصكم على صلاة التراويح، وقوله: وذلك في رمضان هو من قول عائشة ﵂.
واستدلّ به على الأفضل في قيام شهر رمضان أن يفعل في المسجد في جماعة لكونه ﷺ صلّى معه ناس في تلك الليالي وأقرهم على ذلك وإنما تركه لمعنى قد أمن بوفاته ﷺ وهو خشية الافتراض، وبهذا قال الشافعي: وجمهور أصحابه أبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية، وقد روى ابن أبي شيبة فعله عن عليّ وابن مسعود وأبي بن كعب وسويد بن غفلة وغيرهم وأمر به عمر بن الخطاب واستمر عليه عمل الصحابة ﵃ وسائر المسلمين وصار من الشعائر الظاهرة كصلاة
العيد، وذهب آخرون إلى أن فعلها فرادى في البيت أفضل لكونه ﵊ واظب على ذلك، وتوفي والأمر على ذلك حتى مضى صدر من خلافة عمر، وقد اعترف عمر ﵁ بأنها مفضولة كما مرّ وبهذا قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية.
وأجيب: بأن ترك المواظبة على الجماعة فيها إنما كان لمعنى وقد زال وبأن عمر ﵁ لم يعترف بأنها مفضولة، وقوله: والتي ينامون عنها أفضل ليس فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها في البيت وإنما فيه ترجيح آخر الليل على أوله كما صرح به الراوي بقوله يريد آخر الليل، فرق بعضهم بين من يثق بانتباهه وبين من لا يثق به.
٢٠١٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فصلى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وحدثني بواو العطف والإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهريّ أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة ﵂ أخبرته أن رسول الله ﷺ خرج) من حجرته إلى المسجد (ليلة) من ليالي رمضان (من جوف