جاءت إلى رسول الله (ﷺ تزوره في اعتكافه) من الأحوال المقدرة وفي رواية معمر عند المؤلّف في صفة إبليس فأتيته أزوره ليلاً (في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة) زاد في الأدب: من العشاء (ثم قامت) أي صفية (تنقلب) أي تردّ إلى منزلها (فقام النبي ﷺ معها يقلبها) بفتح الياء وسكون القاف وكسر اللام أي يردّها إلى منزلها (حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مرّ رجلان من الأنصار).
قال ابن العطار في شرح العمدة: هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا، وفي رواية هشام الآتية وكان بيتها في دار أسامة فخرج النبي ﷺ معها فلقيه رجلان من الأنصار، وظاهره أنه ﵊ خرج من باب المسجد وإلا فلا فائدة في قوله لها في حديث هشام هذا لا تعجلي حتى أنصرف معك ولا فائدة لقلبها لباب المسجد فقط لأن قلبها إنما كان لبعد بيتها وفي رواية عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلي فذهب معها حتى أدخلها في بيتها.
(فسلما على رسول الله ﷺ) وفي رواية معمر المذكورة فنظرا إلى النبي ﷺ ثم أجازا أي مضيا وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان فلما رأياه استحييا فرجعا (فقال لهما النبي): امشيا (على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي على هينتكما فليس شيء تكرهانه (إنما هي صفية بنت حيي) بمهملة ثم مثناة تحتية مصغرًا ابن أخطب وكان أبوها رئيس خيبر (فقالا): أي هي صفية بنت حيي) بمهملة ثم مثناة تحتية مصغرًا ابن أخطب وكان أبوها رئيس خيبر (فقالا): أي الرجلان (سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله عن أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول (وكبُر عليهما) بضم الموحدة أي عظم وشق عليهما ما قال ﵊، وفي رواية هشيم فقالا: يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرًا؟ (فقال النبي ﷺ): (إن الشيطان يبلغ من الإنسان) الرجال والنساء فالمراد الجنس (مبلغ الدم)، أي كمبلغ الدم ووجه الشبه شدة الاتصال وعدم المفارقة وهو كناية عن الوسوسة (وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما شيئًا) ولمسلم وأبي داود من حديث معمر شرًا ولم يكن النبي ﷺ نسبهما أنهما يظنان به سوءًا لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى إعلامهما حسمًا للمادة وتعليمًا لمن بعده إذا وقع له مثل ذلك. وقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به. وفي طبقات العبادي أن الشافعي سئل عن خبر صفية فقال: إنه على سبيل التعليم علمنا إذا حدّثنا محارمنا أو نساءنا على الطريق أن نقول هي محرمي حتى لا نتهم.
وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على التحرز مما يقع في الوهم نسبة الإنسان إليه مما لا ينبغي وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب ظن السوء بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم.
ومطابقة الحديد للترجمة في قوله فقام النبي ﷺ يقلبها، وفي رواية هشام المذكورة الدلالة على جواز خروج المعتكف لحاجته من أكل وشرب وبول وغائط وأذان على منارة المسجد إذا كان راتبًا ومرض تشق الإقامة معه في المسجد وخوف سلطان وصلاة جمعة لكن الأظهر بطلانه بخروجه لها لأنه كان يمكنه الاعتكاف في الجامع ودفن ميت تعين عليه كغسله وأداء شهادة تعين أداؤها عليه وخوف عدوّ قاهر وغسل من احتلام.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الاعتكاف وفي الأدب وفي صفة إبليس وفي الأحكام، وأخرجه مسلم في الاستئذان، وأبو داود في الصوم وفي الأدب، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة ابن لا نتهم اهـ.