وعقدًا (فهجرته إلى الله ورسوله) حكمًا وشرعًا كذا قاله ابن دقيق العيد، ورده الزركشي بأن المقدر حينئذ حال مبنية فلا تحذف، ولذا منع الرندي في شرح الجمل جعل بسم الله متعلقًا بحال محذوفة أي ابتدئ متبركًا.
قال: لأن حذف الحال لا يجوز انتهى. وأجيب بمنع أن المقدر حال بل هو تمييز ويجوز حذف التمييز إذا دلّ عليه دليل نحو: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] أي رجلاً. ويمكن أن يقال لم يرد بتقدير نية وعقدًا في الأول وحكمًا وشرعًا في الثاني أن هناك لفظًا محذوفًا، بل أراد بيان المعنى ومغايرة الأول للثاني، وتأوّله بعضهم على إرادة المعهود المستقر في النفوس، فإن المبتدأ والخبر وكذلك الشرط والجزاء قد يتحدان لبيان الشهرة وعدم التغيير وإرادة المعهود المستقر في النفس، ويكون ذلك للتعظيم وقد يكون للتحقير وذلك بحسب المقامات والقرائن، فمن الأول قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة: ١٠]. وقوله ﵊: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ومن الثاني قوله: (ومن كانت هجرته لدنيا) وفي رواية لأبوي ذر والوقت وابن عساكر وكريمة إلى دنيا (يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي إلى ما ذكر واستشكل استعمال دنيا لأنها في الأصل مؤنث أدنى وأدنى أفعل تفضيل من الدنو وأفعل التفضيل إذا نكر لزم الإفراد والتذكير، وامتنع تأنيثه وجمعه ففي استعمال دنيا بالتأنيث مع كونه منكرًا إشكال، ولهذا لا يقال قصوى ولا كبرى. وأجاب ابن مالك بأن دنيا خلعت عن الوصفية غالبًا وأجريت مجرى ما لم يكن قطّ وصفًا مما وزنه فعلى كرجعى وبهمى، فلهذا ساغ فيها ذلك. ثم إن غرض المؤلف من إيراد هذا الحديث هنا الرد على من زعم من المرجئة: أن الإيمان قول باللسان دون
عقد القلب، فبين أن الإيمان لا بدّ له من نية واعتقاد قلب فافهم. وإنما أبرز الضمير في الجملة الأولى لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما.
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره … هو المسك ما كررته يتضوع
وهذا بخلاف الدنيا والمرأة لا سيما والسياق يُشعِر بالحثّ على الإعراض عنهما، وهذه الجملة الأولى هنا سقطت عند المؤلف من رواية الحميدي أول الكتاب فذكر في كل تبويب ما يناسبه بحسب ما رواه.
٥٥ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ».
[الحديث ٥٥ - طرفاه في: ٤٠٠٦، ٥٣٥١].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم، وفي رواية أبي ذر الحجاج بن المنهال بالتعريف فيهما ولأبي الوقت حجاج بن المنهال أبو محمد الأنماطي بفتح الهمزة وسكون النون نسبة إلى الأنماط ضرب من البسط السلمي بضم المهملة وفتح اللام، المتوفى بالبصرة سنة ست عشرة أو سبع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، المتوفى سنة ست عشرة ومائة (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) بن حصين الأنصاري الخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة، المتوفى زمن ابن الزبير، (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بفتح العين وسكون الميم ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري المتوفى بالكوفة أو بالمدبنة قبل الأربعين سنة إحدى وثلاثين أو إحدى أو اثنتين وأربعين، وله في البخاري أحد عشر حديثًا. (عن النبي ﷺ قال):
(إذا أنفق الرجل) نفقة من دراهم أو غيرها (على أهله) زوجة وولد حال كون الرجل (يحتسبها) أي يريد بها وجه الله (و) أي الإنفاق، ولغير الأربعة فهي أي النفقة (له صدقة) أي كالصدقة في الثواب لا حقيقة وإلا حرمت على الهاشمي والمطلبي، والصارف له عن الحقيقة الإجماع وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز أو المراد بها الثواب كما تقدم، فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا في الكمية ولا في الكيفية.
قال القرطبي: أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أم مباحة، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى، وحذف المعمول ليفيد التعميم أي أي نفقة كانت كبيرة أو صغيرة.
وفي هذا الحديث الرد على المرجئة قالوا: إن الإيمان إقرار