فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت: ما لك؟ فقالت: أخاف الله ربّ العالمين. فقلت: خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء (فقمت) أي وتركتها والذهب الذي أعطيتها (فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك) وفي ذكر بني إسرائيل: فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، وفي الطبراني عن عليّ: من مخافتك وابتغاء مرضاتك (فافرج) بهمزة وصل وضم الراء (عنّا فرجة) بفتح الفاء وتضم وتكسر لم يقل في هذه نرى منها السماء (ففرج) حذف الفاعل للعلم به أي ففرج الله.
(وقال الثالث: اللهمّ إني استأجرت أجيرًا) واحدًا وفي رواية سالم أجزاء (بفرق أرز) بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء قال في القاموس: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو يسع ستة عشر رطلاً والأرز فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وتضم الألف مع سكون الراء وتخفيف الزاي وتشديدها والرواية هنا بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي، (فلما قضى عمله) الذي استأجرته عليه (قال) ولأبي ذر فقال (أعطني) بهمزة قطع مفتوحة (حقي فعرضت عليه) أي حقه (فرغب عنه) ولم يأخذه (فلم أزل أزرعه) بالجزم (حتى جمعت منه بقرًا وراعيها) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ورعاتها (فجاءني فقال اتق الله فقلت) ولأبي الوقت قلت (اذهب إلى ذلك) بالتذكير باعتبار اللفظ وللمستملي إلى تلك (البقر ورعاتها) بالجمع (فخذ) بإسقاط ضمير المفعول (فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي) بالجزم على الأمر (فقلت) ولأبي ذر فقال وهو من باب الالتفات (إني لا أستهزئ بك فخذ) بإسقاط الضمير أيضًا (فأخذه فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) عنّا (ما بقي) من الصخرة (ففرج الله) أي عنهم وخرجوا يمشون.
(قال أبو عبد الله) البخاري، (وقال ابن عقبة) ولأبي ذر وقال إسماعيل بن عقبة وفي نسخة وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة أي وفي روايته وفي الفرع وأصله كنسخة الصغاني، وقال إسماعيل أي ابن أبي أويس. وقال ابن عقبة (عن نافع فسعيت) بالسين والعين المهملتين بدل قوله في رواية عمه موسى بن عقبة فبغيت، وهذا التعليق عن إسماعيل بن عقبة وصله المؤلّف في باب إجابة دعاء من برّ والديه من كتاب الأدب.
وهذه الرواية عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة هي الصواب، وأما ما وقع في نسخة أبي ذر وقال إسماعيل عن ابن عقبة عن نافع فهو وهم لأن إسماعيل هو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي موسى بن عقبة نبّه عليه الجياني.
وأما موضع الترجمة من الحديث ففي قوله فعرضت عليه حقه فرغب عنه الخ … قال ابن المنير: لأنه قد عيّن له حقه ومكّنه منه فبرئت ذمته بذلك فلما تركه وضع المستأجر يده عليه وضعًا مستأنفًا ثم تصرف فيه بطريق الإصلاح لا بطريق التضييع فاغتفر ذلك ولم يعدّ تعدّيًا يوجب المعصية ولذلك توسل به إلى الله ﷿ وجعله من أفضل أعماله وأقرّ على ذلك ووقعت الإجابة له به، ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان ضامنًا له إذ لم يؤذن له في التصرف فيه فمقصود الترجمة إنما هو خلاص الزارع من المعصية بهذا القصد ولا يلزم من ذلك رفع الضمان كذا نقله عنه في فتح الباري، وتبعه في عمدة القاري وهو متعقب لما قاله ابن المنير أيضًا في باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي من كتاب البيوع حيث قال هناك فانظر في الفرق من الذرة هل ملكه الأجير أم لا؟ والظاهر أنه لم يملكه لأنه لم يستأجره بفرق معين وإنما استأجره بفرق على الذمّة لما عرض عليه أن يقبضه امتنع فلم يدخل في ملكه ولم يتعين له وإنما حقه في ذمة المستأجر وجميع ما نتج إنما نتج على ملك المستأجر، وغاية ذلك أنه أحسن القضاء فأعطاه حقه وزيادات كثيرة هذا كلامه وهو مخالف لما قرره هنا قطعًا، ويحتمل أن يقال إن توسله بذلك إنما كان لكونه أعطى الحق الذي عليه مضاعفًا لا بتصرفه كما أن الجلوس بين رجلي المرأة كان معصية لكن التوسل لم يكن إلا بترك الزنا والمسامحة بالمال ونحوه.