(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي أيضًا (مهطعين) أي (مديمي النظر) لا يطرفون هيبة وخوفًا وسقط وقال لأبي ذر، ولأبوي ذر والوت: مدمني النظر. (ويقال: مسرعين) أي إلى الداعي كما قال تعالى: {مهطعين إلى الداع}[القمر: ٨] وهذا تفسير أبي عبيدة في المجاز ({لا يرتد إليهم طرفهم}) بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم ({وأفئدتهم هواء} يعني جوفًا) بضم الجيم وسكون الواو خاوية خالية (لا عقول لهم) لفرط الحيرة والدهشة وهو تشبيه محض لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة ({وأنذر الناس}) يا محمد ({يوم يأتيهم العذاب}) يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول يوم عذابهم وهو مفعول ثانٍ لأنذر ولا يجوز أن يكون ظرفًا لأن القيامة ليست بموطن الإنذار ({فيقول الذين ظلموا}) بالشر والتكذيب ({ربنا أخّرنا إلى أجل قريب}) أخّر العذاب وردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه ({نجب دعوتك ونتبع الرسل}) جواب للأمر ونظيره قوله تعالى: {لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدّق}[المنافقون: ١٠]({أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}) على إرادة القول وفيه وجهان أن يقولوا ذلك بطرًا وأشرًّا ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديدًا وأمهلوا بعيدًا وقوله {ما لكم} جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله أقسمتم، ولو حكي لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال، والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء وقيل لا تنتقلون إلى دار أخرى يعني كفرهم بالبعث لقوله تعالى:{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}[النحل: ٣٨] قاله الزمخشري.
({وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم}) بالكفر والمعاصي كعاد وثمود ({وتبين لكم كيف فعلنا بهم}) بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم ({وضربنا
لكم الأمثال}) من أحوالهم أي بيّنّا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة ({وقد مكروا مكرهم}) أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل ({وعند الله مكرهم}) ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو عنده ما يمكرهم به وهو عذابهم الذي يستحقونه ({وإن كان مكرهم}) في العظم والشدة ({لتزول منه الجبال}) مسوّى لإزالة الجبال معدًّا لذلك وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}[البقرة: ١٤٣] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتًا وتمكّنًا، وتنصره قراءة ابن مسعود: وما كان مكرهم وقرئ لتزول بلام الابتداء على معنى وإن كان مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع عن أماكنها ({فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله})[إبراهيم: ٤٧] يعني قوله إنّا لننصر رسلنا كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني على الأول إيذانًا بأنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله: {إن الله لا يخلف الميعاد}[آل عمران: ٩] وإذا لم يخلف وعده أحدًا فكيف يخلف رسله ({إن الله عزيز}) غالب لا يماكر قادر لا يدافع ({ذو انتقام}) لأوليائه من أعدائه كما مرّ ولفظ رواية أبي ذر {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون} إلى قوله: {إن الله عزيز ذو انتقام} وعنده بعد قوله: {وأنذر الناس} الآية.
وبه قال:(حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا معاذ بن هشام) البصري قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة الدوسي البصري الأكمه أحد الأعلام (عن أبي المتوكل) علي بن دؤاد بدال مضمومة بعدها واو بهمزة (الناجي) بالنون