للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما وليت) حال كوني (منصرفًا فإذا الغلام) فاجأني (يدعوني قال: أذن لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في الدخول (فدخلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء والإضافة ما رمل أي نسج من حصير وغيره (ليس بينه) عليه الصلاة والسلام (وبينه) أي الحصير (فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف وهو (متكيء على وسادة من أدم) بفتحتين جلد مدبوغ (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: طلقت) أي أطلقت (نساءك)؟ فهمزة الاستفهام مقدّرة (فرفع) عليه الصلاة والسلام (بصره) الشريف (إليّ فقال):

(لا ثم قلت وأنا قائم أستانس) أي أتبصر هل يعود -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الرضا أو هل أقول قولاً أطيب به قلبه وأسكن غضبه (يا رسول الله لو رأيتني) بفتح التاء (وكنا معشر قريش) بسكون العين (نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره) أي السابق من القصة (فتبسم النبي) ولغير أبي ذر وكريمة فتبسم رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب) بالرفع فيهما لأبي ذر ولغيره أوضأ وأحب بنصبهما خبر كان ومعطوفًا عليه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد عائشة فتبسم) عليه الصلاة والسلام (أخرى، فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري) أي نظرت (في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر غير أهبة ثلاثة) بفتح الهمزة والهاء جمع إهاب الجلد قبل أن يدبغ أو مطلقًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثلاث بغير هاء (فقلت: ادع الله) ليوسع (فليوسع على أمتك) فالفاء عطف على محذوف فكرر لفظ الأمر الذي هو بمعنى الدعاء للتأكيد قاله الكرماني (فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان) عليه الصلاة والسلام (متكئًا) فجلس (فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب) بفتح الهمزة والواو للإنكار التوبيخي أي أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (أولئك) فارس والروم (قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي) أي عن جراءتي بهذا القول في حضرتك أو عن اعتقادي من التجملات المدنيوية مرغوب فيها قال عمر -رضي الله عنه-.

(فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة) وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت حفصة بذلك فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اكتمى عليّ وقد حومت مارية على نفسي"

فأفشت حفصة إلى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يقربها شهرًا وهو معنى قوله (وكان قد قال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنا بداخل عليهن) أي نسائه (شهرًا من شدة موجدته) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم وفتحها في الفرع كأصله مصدر ميمي أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله) وللكشميهني حتى عاتبه الله أي بقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} [التحريم: ١].

والذي في الصحيحين أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخًا عليها فلتقل له أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير فقال: "لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا" فقد اختل فى الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه، والأول رواه جماعة يأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة التحريم.

وعند ابن مردويه عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمارية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فحلف لها لا يقربها وقال: "هي حرام" فيحتمل أن تكون الآية نزلت في الشيئين معًا.

ووقع عند ابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن عائشة ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل

<<  <  ج: ص:  >  >>